الرجال كما تكون أمهاتهم ..
بذرة شخصية الإنسان عجينة لينة تطوعها أمه، في المهد كيف شاءت، ولذلك فإن أقوى الناس وأوفرهم طموحاً كما ترون هم يتامى الأب، الذين اضطلعت أمهاتهم بحراستهم وتشكليهم النفسي والعاطفي، على نحو خاص يثير العجب والاعجاب.
فاذا كانت الأم (سجمانة) كان ولدها كذلك، صدقوني.
قصص العظماء مع أمهاتهم لا تحصى ولا تعد، فهم يرتضعون العزة والجرأة والطموح من أثدائهن مباشرة، فضلاً على الرعاية والتدريب الوصاية منذ الخطوة الأولى على الأرض، ومنذ الكلمة الأولى على اللسان.
الأم هي المعلم الأول إطلاقاً، وهي المدرب الحكيم والوصي الأمين، على الجسم وعلى العقل والمصير.
ولم أحسب المكانة التي رفعها إليها الله عز وجل إلا لأنه استخلفها ، وائتمنها أنفساً وخلقاً من خلقه أكنهم في رحمها، ورباهم بها، فأحسنت الخلافة، بما وقر في قلبها من اخلاق الله تعالى ( كالرحمة واللطف والمسامحة والغفران والمحبة والصبر والكرم والعطف والعطاء والولاية والعون والفضل والغوث وستر العورة والعيب والنصرة ..الخ).
في يوم، خرج الإمام الشافعي، في سفر مع قافلة، فإذا بقطاع طريق خرجوا عليهم، فسألوا كل واحد منهم عما معه من مال ومتاع، فأنكروا أن يكون معهم مال، ولكن عندما حان دور الشافعي قال لهم إن معي مالاً، ثم أخرجه من جعبته، فتعجب قائد اللصوص من فعله، وقال له أيها الفتى ما حملك على فعلك وقد رأيت الناس؟
فقال:عاهدت أمي علي الصدق، ووفاء لعهدها صدقتكم، فقال قائد اللصوص: أمك غائبة وتحفظ عهدها ؟ فأعلن توبته وقال له إن عهد الله أولى بالوفاء .
أم الشافعي هي تلك المرأة العظيمة التي ذهبت مع ابنها إلى مكة بعد أن ترملت فقالت يا بُني مات أبوك، وإننا فقراء، وإني لن أتزوج من أجلك، وقد نذرتك للعلم، لعل الله يجمع بك شمل هذه الأمة.
يروي الشافعيّ لنا نشأته في كنف تلك الأم الأمة فيقول : ” كنت يتيماً في حجر أمّي، ولم يكن لها ما تعطيني للمعلّم، وقد رضي منّي بأن أقوم على الصبيان إذا غاب، وأخفّف عنه، وحفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطّأ وأنا ابن عشر، ولما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء وأحفظ الحديث أو المسألة وكان منزلنا في شعب الحيف، ما كنت أجد ما أشتري به القراطيس فكنت آخذ العظم وأكتب فيه وأستوهب الظهور أي الرسائل المكتوبة وأكتب في ظهرها “.
هذه أسرة حفظتها أم قوية النفس والشكيمة فلم يقعدها الفقر عن طلب المعالي وتوخي الدرجات لابنها وللأمة جمعاء (لعل الله يجمع بك شمل هذه الأمة).
أنا كلما قرأت الآية ” ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فاغنى ” ظننت أنني المعني بها. وكلما قرأت حكاية الشافعي هذه اسحييت، لأن أمي فعلت ما فعلت أم الإمام، وعشت أنا معها ما عاش الإمام مع امه، وتوقعت ليلى مني ما توقعت، ولكن اين أنا وأين الإمام؟.. ليلاه، لا تقنطي فما زال في العمر بقية، أطال الله عمرك وعافاك.
صحيفة المشهد الآن
محمد عبد القادر سبيل
[SIZE=6]رحم الله الامام الشافعي .. [/SIZE]