منوعات
قصة أغنية (يا عُمر) للحوت بمنزل البروفسيور فيصل مكي
وقال : محمود عبدالعزيز كفنان.. من الفنانين الشباب الذين ذاع صيتهم بسرعة.. فهو يمتاز بأشياء عديدة.. منها استعداده الجاد لإظهار الفنان الذي في داخله.. محمود حصيف.. ذكي.. لماح.. من الفنانين الممتازين.. فحتي إذا حاولت أن تصبغ الصبغة العلمية علي تجربة محمود تستطيع أن تفككها برغم أنه لم ينل قسطاً من العلم الموسيقي إلا من خلال الاحتكاك بالفنانين والموسيقيين والملحنين.. لكنه رغماً عن ذلك هو فنان بكل ما تحمل الكلمة من معني.. فحتي إذا رصفته مع رصفائه من الفنانين العرب والغربيين .. اعتقد أن محمود عبدالعزيز لا يقل عنهم درجة علي الإطلاق.. خاصة إذا ما نافسهم حتى لو كان بفارق اللون.. فهو فنان كامل متكامل
ماذا عن تجربتك اللحنية معه في أغنية ( يا عُمر )؟ قال : تلقيت اتصالاً هاتفياً من الشاعر مختار دفع الله.. وقال : هنالك فنان شاب جديد اسمه محمود عبدالعزيز فقلت : أنا محمود عبدالعزيز أعرفه.. فقد كان يرافقنا عندما كنا نعزف مع الفنان محمود تاور حيث كان حريص علي متابعة حفلاته.. فقال : نحن سوف نعمل له بروفة بمنزل بروفيسور فيصل مكي الساعة الرابعة مساء.. وفي الزمان والمكان كنت موجوداً.. وكانت البروفة لأغنية ( عمري بعدو بالساعات ).. فهي من كلمات مختار دفع الله والحاني.. وفي البروفة الأولي غنيت الأغنية بصوتي.. وهو كان مستمعاً فقط وفي اليوم التالي جئت للبروفة و عندما بدأت الغناء أوقفني قائلاً : لا يا هاشم سأغنيها أنا.. وكان أن تفاجأت بأنه يغني الأغنية بطريقة ألطف وأجمل من الطريقة التي غنيتها بها.. وكان هذا أول لقاء لي مع الفنان محمود عبدالعزيز ومن هنا نشأت بيني وبينه أول علاقة.. ثم عملت في الفرقة الموسيقية المصاحبة له ( البعد الخامس ) أكثر من خمس سنوات وخلال تلك الفترة غني لي الأغنية الثانية بعنوان ( يا مفرحة) كلمات الشاعر الراحل حسن الزبير الذي كتب له أيضاً عملاً ثالثاً وضعت له الألحان بعنوان ( أتمني زول ) التي تم تسجيلها في (سودانيز ساوند).. ولكنها لم تضمن في الألبوم.. فالتجربة كانت بدايتها خطفه من الشاعر مختار دفع الله وانتهاء بالبروفسور فيصل مكي.. إلي أن عزفت معه في الفرقة الموسيقية.
وبعدها هو انتقل إلي فرقة ( النورس ).. ولكن علاقتي به ظلت مستمرة إلي أن توفاه الله سبحانه وتعالي ولم يكن هنالك تعاملاً بيني وبينه منذ العام ( 1998- 1999م ).
هل تتوقع أن نجد خليفة للحوت من حيث التجربة؟ قال : إذا وضعنا نموذج لا يليق بمستوي الإجابة.. لكن إذا قلنا إن الشارع هو ممشى لكل العربات مع اختلاف موديلاتها وهيكلها.. وتنوع ألوانها.. فاعتقد أن محمود عبدالعزيز ظاهرة وكفي.. وإذا كان الفلاسفة.. والمفكرين.. يقولون : إن الجمال المسكوت عنه لا يوصف.. فأن جمال صوت محمود لا يوصف فالفنان الراحل ظاهرة لن تتكرر.. ﻷنه فريد عصره.. وعهده.. ونوعه.. ومسرحه.. وكلماته.. فهو كان ينتقي الكلمات بعناية فائقة.. بكل بساطتها.. ويلتقط الألحان الجميلة.. ويطرحها.. فهو كان فلته لا تتكرر علي الإطلاق.
ما هو مصير الأعمال التي غناها لك الفنان الراحل محمود عبدالعزيز؟ قال : لن أكون متعصباً أو متشنجاً كالآخرين.. فإذا كان الناس اجتهدت في أن تحييها ما بين الفينة والآخري من خلال صوته هو وتحاول تبثها بأي وسيلة من الوسائل حتى ولو تبتدع أو تستحدث وسائل آخري لا مانع لدي.. وأنا لا أقول (لا يغنيها فلان أو علان).. ففي الإمكان أن يغنيها أي إنسان.. لكن ستكون فيها مفسدة بمعني أنه سيطالها التشويه خاصة إذا بالغ الفنان المقلد في التطريب.. فقطعاً سيفسد الأغنية.. لذلك انصح مجموعات محمود في القلب وأقمار الضواحي وغيرها أن يقوموا بإحياء تراث الحوت كما يحلو لهم.. وأن يجعلوه تراثاً تلتقطه الأذن بصورة مستمرة.. فهي الوسيلة الأفضل لإحياء ذلك الموروث الغنائي الذي تركه الحوت خالداً في الذاكرة وليست من أنصار منع الآخرين أن يغنوا له إلا أنني في نفس الوقت انصح بأن يبث بصوت محمود عبدالعزيز عليه الرحمة في حياته.
هل أنت تسمح للأجهزة الإعلامية أن تبث أغنياتك التي تغني بها الحوت حتى لو كان ذلك البث بأصوات آخرين؟ قال : لا مانع لدي لأن في بثها كثب كبير بعد أن فقدنا فنان قامة.. فمن الواجب أن تظل ذكراه باقية بالبث عبر الوسائط الإعلامية إذاعات وتلفزيونات والمنابر الثقافية والفنية المختلفة وأعتقد أن الفضائية السودانية يجب أن تكون سباقة في التقاط قفاز المبادرة بالتوثيق له بما في ذلك الأغاني التي لم يتم تسجيلها رسمياً كالبروفات التي أجراها محمود عبدالعزيز لأغاني لم تنل حظها من التسجيل حتى لا يندثر ذلك الإرث بمرور الزمن فأنا اعلم أن أغنية (كأس العالم) التي وجدت حظها من الانتشار.. والضجيج.. والصخب.. والمحبة .. والجمال.. تم تنفيذها من البروفة فقط لأن مغنيها توفي قبل أن يسجلها بصورة رسمية يوم العرض.. لذلك اعتقد أن بروفات الفنان الراحل محمود عبدالعزيز بروفات جادة وجيدة جداً يمكن الاستفادة منها بنفس الصورة التي استفاد منها منظمي بطولة كأس العالم بعد وفاة الفنان.
تجربتك مع الفنان الراحل محمود عبدالعزيز في أغنية ( يا عُمر ) تجربة وجدت حظها من الانتشار فلماذا لم تمتد التجربة؟ قال : الحوت يمتاز بشيء جميل جداً يتمثل في التنوع..الذي هو واحد من أسباب نجاحه حيث أنه لم يغلق نفسه علي شاعر أو ملحن واحد.. لذلك كان التنوع سمة من سماته.. وأنا لم أرفض أن يكون لي تعاملاً معه خلاف الأعمال التي غناها لكن التنوع وحده الذي جعل المسافة بيني وبينه طويلة جداً.. وهنالك ملحنين بارعين وضعوا ألحاناً لم يكونوا فيها أقل مني تجربة بل هنالك من وضع ألحاناً أجمل من الحاني.. وهذا أن دل علي شيء إنما يدل علي أنه كان يتخطف الأشياء الجميلة مستعيناً بشعراء وملحنين ممتازين.
كيف تلقيت خبر وفاته؟ قال : قبل الوفاة قمت بوضع الألحان لعمل يتحدث في مضامينه عن عودة الفنان الراحل من المملكة الأردنية الهاشمية التي اسلم الروح فيها إلي المولي عز وجل بمستشفي ابن الهيثم.. حمل عنوان ( تعال يا الحوت ) والذي تغني به الفنان سيف الجامعة.. وهي لم تكن رثاء بمعني الرثاء إنما كانت مرثية مغلفة في شكل مناجاة للمولي عز وجل إلا أن القدر كان أسرع من المناجاة والأماني المهم أننا قمنا ببثها عبر الشبكة العنكبوتية.. بعد أن كنا في حالة ترقب وانتظار لما تسفر عنه الأنباء وعندما تلقيت خبر وفاته لم أتمالك أعصابي ولم أكن مصدقاً وإلي هذه اللحظة التي التحدث إليك فيها محمود عبدالعزيز مرسوم في مخيلتي ولا يبرحها قيد أنملة أي أنه موجوداً بالنغم.. والتطريب.. والصوت الشجي.. والحركة.. لقد ملأ المجتمع بفنه وخفة ظله.
ما هي وصيتك للأجيال القادمة من خلال تجربة محمود عبدالعزيز؟ قال : الحوت كان في داخله فنان.. فأنت عندما تنظر إليه ستناقش في تجربته تجربة جامعية موسيقية كاملة.. متوفرة فيه بالفطرة.. لذلك أنصح الناس الذين حباهم الله سبحانه وتعالي بفطرة وموهبة جميلة أن يدعموها بالجدية والالتزام.. واختيار النصوص الغنائية الجميلة.. والألحان المتميزة.. مع التواضع الذي هو أسرع وسيلة لوصول الفنان إلي المتلقي.
الخرطوم : سراج النعيم
[/JUSTIFY]