سياسية

شارع الجامعة.. الطريق لمقعد السلطة والإطاحة بالأنظمة


[JUSTIFY]من البوابة المشرعة على تاريخ قديم تقاسم الشارع مع طلاب الجامعة انتماءهم إلى الصرح القديم وعندما يقولون (الجامعة فاتحة على الشارع) فإن بنوة معرفية تلحق به وكأنه وليد شرعي لجامعة الخرطوم، شارع الجامعة الممتد من ثكنات الجيش الإنجليزي ذو رائحة عتيقة مازالت تنفذ منه خطى رجالات الحكم الإنجليزي وحكايا الاستعمار، والشارع الشاهد على مظاهر الجلاء منذ أن حزم ذووا العيون الخضر حقائب الرحيل عن (البركس)، مازالت تدوي فيه صافرة القطار يعلو (نفق) الجامعة في ذات الطريق يحكي أحاديث المقاومة وتستدل به على ماض عريق.

قديماً أطلق عليه الإنجليز شارع الخديوي إسماعيل، لكن الشارع الممهور بدماء القرشي وعبد الفضيل يحتفظ بذكرى المقاومة ونضالات ثورة اللواء الأبيض، يقودها علي عبد اللطيف في ذات المكان الذي يحتله نصب تذكري لعبدالفضيل الماظ.

شارعا كتشنر وونجت

عندما لم يكن بالخرطوم سوى جسران (النيل الأزرق وأم درمان) كان شارع الجامعة المنفذ الوحيد إلى مدينة بحري من وسط الخرطوم، ومن وسط الخرطوم إلى مدينة أم درمان لذا فإن الشارع اكتسب أهميته الجغرافية من قديم، تتقاسمه أبواق السيارات في اتجاهي الشرق والغرب في زمان لم يسر فيه على اتجاه واحد ويفرد جناحاته على شارع كتشنر (النيل) شمالا وشارع ونجت باشا (البرلمان) من الجنوب.

لكن الشارع المؤدي إلى القصر يستلهم من اتجاهه الواحد لهيب الثورة، وفي جامعة الخرطوم مازالت (أركان النقاش) تصدر حديثها للطلاب (الشارع دا اتجاه واحد ما بقيف الإ في القصر) في تلميح واضح لدفع الطلاب نحو الشارع والتظاهرات.

معالم على الطريق

معالم كثيرة وبنايات على طراز إنجليزي تفتح أبوابها على شارع الجامعة تنفح المارة عبق الماضي وتمنح الحاضر جمالية وقوفها فارهة ضاربة في تاريخ البلاد.

جامعة الخرطوم (مجمع الوسط) تحاصر بدايات الشارع على اتجاهي الشمال والجنوب بعد أن يأتيها خارجاً من (البركس) ثكنات الجيش الإنجليزي إبان الاستعمار. “سودان يونت” مسجد الجامعة حالياً، “سودان كلب” وزارة الخارجية حالياً

دار الثقافة ملتقى الصفوة الثقافية آنذاك شيدها الإنجليز شرق مبنى وزارة التجارة حالياً. هيئة البريد والبرق تقف بتاريخها الأخضر في وجدان السودانيين.

القصر الجمهوري شيده الإنجليز قصراً للحاكم العام وما تزال جدرانه تطبق على كرسي الحكم. بنك (باركليز) البنك الرئيس على أيام الحكم الإنجليزي وبعد الاستقلال أصبح البنك المركزي (بنك السودان). مبنى البرلمان (المجلس التشريعي لولاية الخرطوم) حالياً الهئية القضائية شاهقة منذ أن شيدها النظام الإنجليزي ولا تزال، الجانب الخلفي لسرايا السيد علي الميرغن.، رئاسة الأمم المتحدة مبنى (undp) حالياً، حديقة الحيوان مزار السودانيين وغيرهم آنذاك، رئاسة الهئية القومية للكهرباء والمياه في زمان لم تنفصلا فيه، الكلية القبطية أشهر الصروح التعليمية بأيدي الإنجليز، وزارة الزراعة، وزارة الرعاية الاجتماعية، وزارة الثقافة والإعلام.

جميعها معالم قديمة شيدت على طريقة إنجليزية خالصة لم يطلها الطلاء الحديث تقف كمعالم أثرية وتتقاسم الاتجاه الشمالي والجنوبي لشارع الجامعة.

كلية غوردون

تشارلز جورج غوردون (غردون باشا) رجل الإنجليز الأشهر وحاكم عام السودان يمتطي جملاً في نصب تذكاري عتيق تركه الإنجليز في الساحة المواجهة للقصر، يقولون إنه جمل ميخائيل يوسف، ونصب تذكاري آخر يجاور غردون للورد كتشنر على صهوة جواد، لكن رجالات الاستقلال سرعان ما أطلقوا (أما آن لهذا الفارس أن يترجل)، حملت الإدارة النصبين إلى إنجلترا وضاع ملمح من ملامح التاريخ، لكن نصب نصفي لغردون باشا مازال يقبع بالمتحف القومي بعد أن اقتلع من أمام المكتبة الرئيسة لجامعة الخرطوم.

أسست جامعة الخرطوم (كلية غردون) في العام 1902م ما ألصق بالشارع طبيعة سياسية دون شوارع الخرطوم، وجامعة الخرطوم المشهورة على منابر الحوار السياسي والثقافي الحر لم تعف الشارع من غضباتها السياسية ومواقفها الصارخة وتضاعفت أهمية الشارع السياسية في أكتوبر 1964م ذلك أن الثورة الشعبية التي أطاحت بأول نظام عسكري بعد الاستقلال خرجت جراء أحداث بالجامعة، وأخرى بسكن طلابها، وعندما سقط الشهيد القرشي مضرجاً بالدماء فتح شارع الجامعة ذراعيه يحتضن ثورة الطلاب، ومن بعدهم هدرت جماهير الشعب حتى خلعت الرئيس عبود من القصر المطل على ذات الشارع.

شارع يطيح بالعروش

جميع كراسي الحكم في البلاد وضعت مطلة على شارع الجامعة منذ أن كان القصر الرئاسي قصراً للحاكم العام شيده الإنجليز بل والأقدام المعفرة بتراب النضال تردد من قديم (النصر النصر حتى القصر) ما أطلق عليه (شارع التغيير) بل وعين الشارع شاهدة على تكوين حكومات، فمن دار أساتذة جامعة الخرطوم المطلة على الشارع في اتجاه الجنوب انطلقت اجتماعات المجموعات الطلابية، المهنية، الفئوية، ودارت المفاوضات حامية بين أساتذة الجامعة والفريق عبود ما أثمر عن حكومة جبهة الهئيات التي تم تكوينها في دار الأساتذة، وفي انتفاضة أبريل فإن ذات الدار شهدت كل عمليات التنظيم السياسي الذي أدى إلى تغييرات كثيرة. بل والشارع شريان يربط مجموعات كبيرة ببعضها من أمثال طلاب جامعة القاهرة (الفرع) وطلاب جامعة الخرطوم، كل مواكب التأييد والرفض مرت من هناك وجميع التظاهرات عبرت الشارع في طريقها إلى القصر كما لم تغب عن شارع الجامعة جميع التظاهرات والمواكب ذات الطابع الدولي التي كانت تسير عبره لتسليم المذكرات الدولية لمبنى الأمم المتحدة المطل على الشارع.

صحيفة اليوم التالي[/JUSTIFY]