ساندرا طه

صديقتي قارئة الفنجان!


صديقتي قارئة الفنجان!
جلست والخوف بعينيها تتأمل فنجاني المقلوب.. وفي أكثر الأحايين.. جلست والمكر بعينيها وهي تمثل مشهداً رديئاً من كلاسيكيات السينما المصرية، تنظر إليك بعيون ذاهلة تشعر وكأنها تخترقك لتنفذ من خلالك إلى شيء آخر أبعد، ثم تتمتم بعبارات لن تفهمها وترمي في المجمرة قبالتها بحفنة بخور شديد الاشتعال، إنه المشهد المألوف للعرافة التي تدعي تنبؤها بما خفي رجماً بالغيب، وترمي على الطاولة لنا ببضع حكايا عن ماضينا لا ينبغي أن يعرفها أحد وبعدها حكاية أو اثنتين عن المستقبل تستثمر فيهما شيء من سذاجتك وشيء من فراستها وكثير من الخيال، فيا ترى هل يملك هؤلاء أن يدلونا على كل ضائع وآبق من تفاصيل حياتنا .. شخوصها وأشيائها؟، أو أن بيدهم ويد من يخدمونهم من العالم الآخر العثور على مفاتيح المغاليق من أمورنا أم أنها مجرد خرافة أخرى وأسطورة من أساطير الشرق.

صديقتي الجميلة بعينيها الودودتين كانت دوماً جليستنا الأطغى حضوراً حول طاولة القهوة ، فهي وحدها وبنظراتها الساحرة والغامضة حين تتجول بهما بين شخبطات البن على قعور الفناجين تستطيع أن تحكي لمن يقف قبالتها شيئا من تلك الحكايا التي ترويها قارئات الفناجين وضاربات (الودع)، تركز بنظرات ثابتة وعميقة كأنها تتنصت صوتاً خفياً وحدها من تسمعه، فكانت تخبر أحدهم عن مبلغ من المال مخبأ في أحد أرفف خزانته، أو صديقة لنا عن علاقة عاطفية سرية في حياتها أو حتى عن خيانة لم تفح رائحتها بعد، صديقتي كانت العرافة الأكثر دهشة التي عرفتها والتي كانت تفك طلاسم الفناجين وتترك من أمامها فاغرا فاهه دهشة، وحسب قولها فإن لها تابعاً أميناً تستدعيه عند التحديق في فناجينها وبعد رمي (البياض) تستمع إلى صوته يملي عليها ما سوف تخبره لاحقاً لشارب القهوة صاحب الفنجان المقلوب، بغض النظر عن مصدر تلك التنبؤات.. السحر أم الفراسة، ولكن تلك الغواية الغريبة كانت تضفي على شخصيتها مزيداً من السحر.

أما العرافة الأخرى التي التقيت بها فقد كانت عرافة محترفة تستخدم البخور وتشبه كثيراً بطلات الشعوذة في تلك الأفلام، دلفت إلى بيتها وأنا خائفة وفي ذهني رغبة كبيرة في استطلاع خبايا ذلك العالم، وكأنني بداخله وعلى الرغم من عدم تصديقي بالتنجيم بدأت أصدق بأن البيت كان يعج بالعفاريت بعد أن سرت في أوصالي رعشة غريبة، خاصة عندما وجدت السيدة وهي الخمسينية متزوجة من شاب على قدر كبير من الوسامة، وبدأت في سري بترديد آية الكرسي وفجأة إذ خرج لي من أسفل السرير قط بدا لي سيء الهيئة وبدأ في التقدم نحوي متحفزاً وهو يصدر أصواتاً غاضبة، بعدها جلست السيدة وألقت البخور وهي تبحلق في عبابه، ثم أخذت تردد لي العديد من الأسماء منها من أعرفهم ولا اعرفهم، ثم أخبرتني أخيراً بأن عدوة لي ترغب في تدمير حياتي ووعدت بمساعدتي بعد أن ادفع لها هاتفي النقال، وعدتها بالعودة وخرجت مسرعة وأنا نادمة على مقدمي على الرغم من أن دافعي الأساسي كان الفضول ليس أكثر.

خلاصة الأمر أن البعض من هؤلاء مجرد أشخاص لماحون وأصحاب فراسة والبعض الآخر مصاب بلوثة من الجن أو يستعين بهم وهم لنا عدو فكيف لهم أن يسهلوا علينا حياتنا، وعلى كل ليس بيد أحد من هؤلاء أن يخبرك بشيء لا تعرفه سلفاً لأنهم يعلمون الماضي وليس المستقبل، ولو كنت ترغب فعلا في قراءة طالعك، كن صادقاً ونم على وضوء فلم يبق منها إلا المبشرات، وتذكر أن جهلنا بالغيب في حد ذاته نعمة ويا خبر بفلوس.. غداً ستعيشه و(ببلاش). ساندرا طه – صحيفة حكايات