ساندرا طه

صباحات البنات


صباحات البنات
أحياناً عندما تستفيق في الصباح تتفادى المرايا المعلقة في وجهالخزانة .. فهي وحدها من تمنحها فنجان الالم الصباحي المعتاد, و وحدها قادرة علىافساد مزاجها لبقية اليوم , فالمرايا ليست سوى شرطي مرور ثقيل الظل يمنحها كل يوماكثر من عشر بطاقات مخالفة لقوانين الأنوثة المكتملة!.

دفتر الأنوثة المكتملة هو المرجع الإجتماعي الذي يطالبها كامرأةبأن تكون كل شيء , به مقاييس افتراضية لكل شيء .. لموضاتها و أزيائها .. لضحكتها.. لمشيتها .. لنبرة صوتها .. لطبقتها الاجتماعية و لون بشرتها .. و اتساع حدقاتعينيها و امتلاء شفتيها .. باختصار له مقاييس رفيعة المستوى للمتباريات في سيركالحياة على ما فيها , كل لافتة إعلانية على الطريق .. كل غلاف على مجلة .. كلمانشيت في جريدة يتآمر مع ذلك الملف الإجرامي للمواصفات و المقاييس , يؤكد لديهااليقين بأن النجاح صار احتكاراً للنساء المثاليات فقط , ممن أحرزن اعلى النقاطوفقاً لبنود ذلك الملف , صار النفوذ و المال و حتى السعادة أشياء لا تشترى بالعملأو بالذكاء وحده , و لا حتى الذكاء والتعلم باتا يصلحان كبطاقات مرور إلى معتركاتالحب و الفرص و لكن!.

القامات المنحوتة بقالب و مقاس معين أصبحت بالنسبة لها تضاهيحصانة دبلوماسية ! تظنها ستمنحها القوة لتدير العالم من حولها و تصيبه بالدوار,ولهذه الأسباب كلها تكره المقاييس الإجتماعية للجمال .. ورغم هذا تعتنقها كنسكمقدس, حتى غدت تمقت ذاتها أكثر .. أما وقفة المرآة في الصباح فهي وقت الأسئلةالخطأ، ماذا لو كان حاجبيّ أكثر تقوساً؟.. وماذا لو كنت أطول بقليل؟ و كم كانتحياتي ستتغير فقط لو أن بشرتي كانت أقل اسمراراً, و بهذه الروح القانطة تبدأ (فلانة) يومها.. و بهذا الجحود تقابل محاسنها التي انعم عليها بها الله، و بتلك الرؤية القاصرةوالنظارة المكبرة للعيوب تنظر لغيرها من النساء فلا ترى فيهن غير ما تظن أنها تفتقده.

على البعض من بنات حواء التوقف عن التسلق على أكتاف أنوثتهن ولوكان سلماً للوصول إلى قطاف الفرص, الوظيفة أو المال أو حتى من تمتهن التغنج بصوتهاالجميل لتطرب من حولها ليلقوا على طرف فستانها بالمال وبطاقات شحن الهاتف ويعبرنبها إلى باحات المطاعم الفخمة, التوقف عن الإساءة إلى بقية النساء, فالظروف لم تكنيوماً عذراً لامتهان الذات.

ومهما حاولنا ان نجاري موضات الجمال التي يسنها لنا تجارالشامبو والأحذية وظلال الجفون .. ستبقى فينا نواقص, و ستبقى تلك النزعة بداخلنا إلىالكمال تستهلكنا و تقتات منا دون ان ندري، وتلك المدمنة على جلد الذات ستحرقهالعنة المرايا, حتى تبدأ في محاولة إحراق غيرها في نفس المحرقة، بتطبيق المعاييرذاتها على غيرها وتقييم غيرها ووضع العلامات!, و قد أخذت على نفسها عهداً أن تنتزعمنهن السلام الذي لا تجده، وتلقي على غيرها بظلال الشعور بنقصها, وفي خضم تلكالمعركة الحامية للوصول إلى سراب الجمال تهرب كل الحظوظ و الأيام السعيدةوالاحتمالات والفرص، و نعيش أياما غالية من ريعان الشباب بصحبة المرارة والإحباط وجلدالذات و ربما الفشل ، بدل أن ننشغل بأن نكون سعداء في كل يوم. ساندرا طه – صحيفة حكايات