سياسية

“حكاية جلال” تفاصيل قصة أحد قيادات حركة العدل جناح دبجو ممن أسره رجال جبريل العام الماضي.. من لحظة القبض عليه داخل دولة تشاد حتى هروبه من الأسر


[JUSTIFY]ربما كان القدر وحده كفيلا بتجميع تفاصيل القصة وحصرها في تاريخ واحد.. فما بين نهار (الأحد) الثاني عشر من مايو للعام 2013 موعد أسره، في إحدى ضواحي شرق دولة تشاد، ومساء (الاثنين) في نفس التاريخ، من العام الحالي، موعد هروبه، كان يعيش في عالم المجهول؛ يجالس الموت ويغازله كل ليلة، غير عابئ بما ينتظره في الغد.
كانوا (17) شخصا مكبلين بسلاسل الحديد يتمددون على الأرض، رغم ما فيهم من واقع لكنهم يضحكون عندما يستذكرون بعض المواقف الطريفة في الماضي.. قبل أن تغمض عيونهم بما يشبه نصف نومة يراجع أحدهم ما تبقي من ألبوم صور أبنائه وأهله في ذهنه..
فجأة داهمتهم سيارة وهم جالسون دهست أحدهم وهو مكبل لكنها لم تقتله.. هم أيضا رفقاء الأمس يعرفون بعضهم جيدا، صرخ عاليا في وجه السائق قائلا له: “جبريل بتاعكم دا لو راجل خليه يجي يقعد معانا في الميدان هنا”.. ثمة ضجيج تلبس المكان، فالعسكر غير النظاميّين أحيانا يثيرون المتاعب.. لا أحد يضبطهم في تلك اللحظة.. كل منهم يحاول أن يثبت رجولته بفتك أحشاء زميله، فالبنادق محشوة بالذخيرة الحيرة وجاهزة للاستخدام.
حينها توغل الليل كثيرا وبدا الظلام الحالك يرخي سدوله إيذاناً بليلة غير معلومة الملامح. سرق لحظة الانشغال واختفى من الأنظار.
ربما كان يخطط لتلك اللحظة لكنه ينتظر الوقت المناسب للتنفيذ، رجلاه مقيدتان بسلاسل الحديد مثله وإخوانه الآخرين.. استطاع أن يتجاوز ذلك الرجل المنتصب ويده في الزناد لا يحول بينه وإطلاق النار إلا أن يفعل.. كان يخشى أن تلامس قدماه حشائش الأرض فتصدر صوتا يفضح تحركاته.. الأمر بالنسبة له مصيري، إما أن ينجو أو أن يعود إلى مشنقة الرصاص مباشرة، جسمه المنحول بسبب المرض لا يقوى على الانتظار أكثر من ذلك.. فالروح هناك لا ثمن لها، يمكن أن تذهب لأتفه الأسباب.
اليوم كان بالنسبة لجلال حسن أحمد طويلا، فمنذ السابعة مساء لم ينم ولم يجلس ولم يرتح حتى الخامسة صباحا.. الطريق ليس آمنا، ثمة غابات كثيفة تغطي مكانا متسعا لا يخلو من أشرس الحيوانات المفترسة.
جلال هو أحد قيادات حركة العدل والمساواة جناح دبجو، تم أسره من قبل حركة العدل جناح جبريل بعد مقتل قائد الحركة أحمد بشر في مايو من العام الماضي، يحكي الرجل تفاصيل قصته من (ألف) القبض عليه عقب معركة قصيرة دارت داخل دولة تشاد إلى (ياء) الهروب من قبضة الأسر..
يقول جلال ذو الملامح الداكنة: “كنت عيان جدا واشعر بالتعب والأمر بالنسبة لي كله موت سواء جلست سأموت بالمرض أو أن هربت وتم القبض علي سيقتلونني في الطريق”.. ساعة من الزمن أمضاها سيرا على رجليه المكبلتين بالقيود وقف لفك أسره بيده، ويقول لـ(اليوم التالي) أمس (الأربعاء): “كنت أحمل فأسا صغيرة معي خبأتها لكسر طبلة الجنزير الذي يلف أرجلي” بعد مجهود استطاع جلال تخليص إحدى رجليه من الجنزير فانطلق يتوارى خلف الأشجار التي تعم المكان.. جلال لم يسلك الطريق المعتاد لأن ذلك مدعاة للقبض عليه من قبل قوات حركة العدل التي انتشرت في المكان بحثا عنه، يضيف: “جلست تحت إحدى الأشجار كثيفة الأوراق أراقب المكان جيدا لاحظت سيارتهم تجوب يمينا ويسارا لكنهم لم يرصدوني”، المدهش حقا أن جلال وأثناء جلوسه تحت تلك الشجرة لدغته عقرب لكنه لم يتحرك حسب قوله، لأن لدغة العقرب تبدو أقل وأهون من الرصاصة.
عمله الطويل في أدغال جنوب السودان ساعده كثيرا في تلمس خطواته نحو النجاة، فجلال بعد أن قطع مسافة (80) كيلومترا ليلا وسيرا على الأقدام، وجد برهة من الراحة في منطقة أويل بالجنوب، أحد أفراد الجيش الشعبي قدم له يد المساعدة لمعرفة سابقة، لكن جلال لم ينتظر هناك طويلا على حد قوله، لأن عيون مخابرات الحركة لا تزال تترصد، فغادر إلى داخل السودان برا..
الوصول إلى هذه النهاية مر بتفاصيل كثيرة، يقول جلال خلال حديثه في منبر وكالة السودان للأنباء: “بعد أن تم اعتقالنا في منطقة بأمنا بشرق تشاد تم اقتيادنا إلى جبال النوبة في مسيرة امتدت 17 يوما كانت حافلة بالمعارك الجانبية مع القوات المسلحة التي ظلت تطارد متحرك الحركة”.. بعدها ـ وفقا لجلال ـ تم تحويل الأسرى إلى منطقة اللوليب ثم إلى منطقة الدار، ووقتها تم تكوين لجنة للتحقيق معهم، يقول: “مارست معنا اللجنة أقسى صنوف الضغط وعند النهاية تم تقديمنا إلى محاكمة صورية وحكم علينا جميعا بالإعدام رميا بالرصاص”.
قبل لجنة المحاكمة يقول جلال: “زارنا كل من جبريل إبراهيم رئيس الحركة وأبوبكر حامد امين التنظيم وتحدثا معنا بصورة ساخرة، وكانت تلك الزيارة هي الأولى والأخيرة لجبريل إلى الأسرى”.
ثمة معاناة أخرى تمثلت في سوء التغذية وانعدامها في كثير من الأحيان، فالوجبات لم تكن منتظمة كما هو حال المتمردين، بالإضافة إلى ذلك بحسب جلال الأسرى هم ممنوعون من التحدث مع أي شخص إلا بالأوامر وممنوعون من حمل أي ورقة أو قلم، جلال ينتهي بقصته هذه إلى آخر المحطات ويقول: “الحركة شاركت في أحداث بانتيو بقواتها وتدخلت في المعارك ضد قوات مشار” ويضيف: “أخذوا عددا كبيرا من المواطنين السودانيين من أبناء دارفور كانوا موجودين في بانتيو بحجة حمايتهم لكن والحديث لجلال- أجبرتهم الحركة على التجنيد قسرا وأدخلتهم الجيش مما جعل قوات مشار تستهدف الدارفوريين”.

صحيفة اليوم التالي
أ.ع[/JUSTIFY]