خريطة الكرة السودانية تفقد جنوبها
لأكثر من ثمانين عاما كانت الموردة ملء السمع والبصر في خارطة الكرة السودانية وأمس انفصلت عن أندية الممتاز وتوارت إلى دوري الظل لاحقة بالنيل العريق والتحرير.. كانت الموردة حتي بداية هذا العام ثالث ثلاثة في الشهرة والصيت والمهابة لكنها تركت الثنائي الأمدرماني وحيدا بعد صحبة امتدت لقرابة القرن.
لحقت الموردة بالجنوب فأضحي السودان مبتورا في خارطته وعدد سكانه وثرواته ولم يعد لنا الزراف وجونقلي كما لن نشاهد العام القادم الهلب مرسوما على قمصان أولاد الموردة في دوري الأضواء.
لحقت الموردة عادات سوادنية ومكرمات سحكها الزمن وأودى بها.
وهاهو الأخ عمر خوجلي يتحدث بالأمس عن تداعي صحيفة الأيام، وهي في احتضارها المبكي، وقد كان منظرها فقط في المكتبات يعطي الإحساس بالطمأنينة على الصحافة ومستقبلها وعلى أن الشعب السوداني لا يزال بخير.
لعل قدرنا هو أن نحضر كل هذه الانتكاسات وتداعي الأحلام وانهيار الواقع وتصدع المفاخر ويا له من قدر.
لقد كان طفلي أمس الأول في زيارة مدرسية لدار العجزة والمسنين، فجاء بسنواته الغضة منزوع الابتسامة مثقل القلب وقضينا نصف الليل في أسئلة وإجابات وأسئلة بلا إجابة عن هذا الأمر المر.
ونتلبس حالة أبي عبد الله الصغير آخر ملوك الأندلس حينما ركب سفينة المنفى، وبكى، وهو يودع ملك الأجداد ومفاخر الإسلام فقالت له أمه: ابك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال.
لقد أظلنا هذا الإحساس.. إحساس الفقد لعزيز ونحن نرى كل مكتمل يتناقص والشجن يتسيد الموقف.
لكن يجب أن لا نستسلم فإن الأمل يسابق الأجل وعسى أن نعيد ما كان.
وأول بداية للبداية هي أن ننفض عنا هذا الاحباط-قل مسببات هذا الإحباط- فإن الجميع قد صار يعمل ويتواصل ويتناسل بلا نفس.
بلا شك إن الاقتصاد المنهار هو السبب الرئيس لهذا الأمر.
لولا قلة المال لما هبطت الموردة ولما استغاثت الأيام ولولا النفط لما انفصل الجنوب ولولا المال لما رأينا كثيرا من المثل تنهار.
يجب أن يتداعى المختصون لإنقاذ رأس الثور الذي علق في البرمة بدلا من الاستعانة بالبصيرة أم حمد.
البصيرة التي أمرت بذبح الثور وكسر البرمة ليست ملامة إن كررت عملها الملام هو من استعان بها.
ألا ترون أن الحل يكمن في كسر البرمة كما تقول الحكمة.. ما الداعي لسن السكاكين التي تشحذ هذه الأيام.
و
كانت لنا أيام.
هتش – صحيفة اليوم التالي