عالمية

ما حقيقة خطاب أوباما وأوهام «الامبراطورية الامريكية»؟


ألقى الرئيس الامريكي باراك اوباما مساء امس الاول امام الكونغرس الخطاب السنوي المعروف بـ «حالة الاتحاد»، والذي يعد احد المناسبات الرئيسية لعرض سياسات الادارة الامريكية في الداخل والخارج. وتميز خطاب هذا العام بمعطيات صعبة تحكم علاقة اوباما بالكونغرس ذي الاغلبية الجمهورية المناوئة. بل لقد جاء في «اجواء حرب» واضحة، اذ بينما يأمل خصومه في حشد الأغلبية ضد سياساته، فقد لوح اوباما بالفعل باستخدام صلاحياته الرئاسية التي تمكنه من استخدام حق الفيتو ضد قرارات الكونغرس.
وهذه قراءة لأبرز محاور الخطاب فيما يخص السياسة الخارجية:
اولا- الحرب على الارهاب في العراق وسوريا:
اعتبر اوباما ان الولايات المتحدة نجحت في وقف تقدم تنظيم «الدولة»، بفضل التحالف الدولي الذي تقوده، الا انه طلب صلاحيات جديدة من الكونغرس «لاستخدام القوة ضد التنظيم»، وهو ما قد يشير الى عزمه توسيع الحرب او تطويرها الى حرب برية، كما يشي باقرار ضمني بفشل واشنطن في تحقيق انتصار واضح بعد ثمانية شهور من الغارات الجوية، وهو ما يؤكده حديث اوباما نفسه عن ان الحرب «ستحتاج الى وقت اطول»، دون ان يحدده.
ومن المثير للانتباه تشديد اوباما على ان الولايات المتحدة اكتسبت «حقا» في التحرك منفردة ضد كل ما تراه عملا او تنظيما ارهابيا حول العالم، في استهتار واضح بالشرعية الدولية ومؤسساتها.
ثانيا- معاداة السامية واهانة الاسلام:
استنكر اوباما ما اسماه بـ «عودة معاداة السامية المدانة للظهور»، كما اكد «رفضه الافكار النمطية المهينة حول المسلمين» في محاولة لاصطناع نوع من التوازن غير الموجود على ارض الواقع، اذ ان لمعاداة السامية قوانين صارمة تعاقب من يرتكبها، ناهيك عن اللوبي الصهيوني المتربص بكل من ينتقد اسرائيل. اما المسلمون فعقيدتهم ونبيهم وسمعتهم بل وحياتهم نفسها تبقى مستباحة امام بعض الموتورين والعنصريين في الغرب دونما حماية قانونية او سياسية تذكر. ويمثل عدم تطرق اوباما للصراع العربي الاسرائيلي دليلا جديدا على استسلامه الكامل في مواجهة اللوبي الصهيوني، وأغلبية الكونغرس المؤيدة لاسرائيل فيما يتعلق بدعم اعمى لسياسات نتنياهو العدوانية وافعاله الارهابية، بالرغم مما يكنه له من مشاعر الاحتقار على المستوى الشخصي، وهو ما لم يعد سرا.
ثالثا- العلاقة مع ايران:
أعلن اوباما صراحة انه سيستخدم حق الفيتو ضد اي قرار من الكونغرس بفرض عقوبات جديدة على ايران، فيما يعد دليلا بحد ذاته على ثقته في امكانية التوصل الى اتفاق بشأن البرنامج النووي بحلول الربيع. ولا شك في ان اللوبي الصهيوني المتوجس لن يتوانى عن افساد الاتفاق، الا ان اوباما بدا مصرا على ان تكون ايران النجاح الابرز لرئاسته بعد تراجعه المخزي في ملفات النزاع العربي الاسرائيلي، واغلاق معتقل غوانتانامو، واصلاح العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي. ومن المتوقع ان يفرض الاتفاق معطيات استراتيجية جديدة، تكرس تراجع هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط لصالح قوى وتحالفات جديدة تعمل على تكريس نفوذها في الاقليم. وهو ما كان يتوجب التأسيس لرؤية استراتيجية امريكية جديدة، بدلا من البناء على أوهام قديمة تتعلق بشرق اوسط جديد.
رابعا- العلاقة مع روسيا:
تحدث اوباما باسلوب انتقامي عما الحقه بالاقتصاد الروسي من «تهالك»عبر سياسة العقوبات، فيما «تقف امريكا متحدة مع حلفائها» بشأن اوكرانيا. وبالفعل فقد تراجع الروبل الروسي وادى انخفاض اسعار النفط الى اضرار اقتصادية كبيرة. الا ان اوباما تجاهل الثمن الباهظ الذي دفعته الولايات المتحدة من صدقيتها كقوة عظمى، بعد ان تراجعت عن تهديداتها بالدخول في مواجهة مباشرة «لانقاذ اوكرانيا»، ناهيك عن المكاسب الاستراتيجية التي حققتها موسكو، وبينها اتفاق التعاون العسكري الاخير مع ايران، والتقارب مع مصر ودول خليجية،وفرض رؤيتها الخاصة بالاعتراف بايران كقوة نووية، واعطاء الاولوية لمحاربة التنظيمات الارهابية وليس اسقاط نظام الاسد، ثم اللجوء للحوار في سبيل حل الازمة السورية سياسيا.
واخيرا، فان اوباما الذي زاد من شعبيته بتراجعه عن محاصرة كوبا، ربما نجح في مناوشة خصومه الجمهوريين، خاصة عندما ذكرهم في الخطاب بانه «لن يحتاج الى خوض اي انتخابات جديدة»، لكنه فشل في تغيير صورته دوليا كرئيس فقد مصداقيته ويعيش في «اوهام الامبراطورية» التي تنتمي الى الماضي.

القدس العربي