هيثم صديق

وداعاً شقيق عنترة

أعمى

لكنك تبصر وجهي الآخر

تحت قناع الموت

(بلند الحيدري)

وعنترة العبسي كان (يحلب ويصر) لأن أمه شعرها كحب الفلفل، لكنه كان يملك إمكانيات يستحلبها المستعبد قبل أن يثور ويصبح الأقوى في كل تاريخ العرب والأشعر.. بعد مئات السنين جاء من أرض السلطان تاج الدين ودار زغاوة أسود آخر لم يحرر نفسه بل حرر قارة بأشعاره وأصبح مثل عنترة (سود) فصاح شحبت روح الفيتوري، فصارت شفقاً وياقوت العرش كان هو منذ أن مشى على الماء يوم أعطي في صباه كرامة أن ابن السلطان تاج الدين هذا تاجه يضيئ على سجادة قش..

كنت أريد أن أكتب عن الأبنودي ذاك الصعيدي الذي رحل قبل قليل، فإذا بالشعر يتداعى بضربة أخرى وتجف منه البحور..

والفيتوري رجل حمل جثته وهرول حيث يموت لكن من قال إن الشعراء يموتون.. كما أنشد أمل دنقل ذات ألم “يا أسماء

أبوك لم يمت

بل صعد

كيف يموت من كان يحيا

كأن الحياة أبد”.

أو شيء مثل هذا، فأنا أكتب من الذاكرة تلك التي ازدحمت الآن بآلاف الأبيات، مما كانت تحفظ للفيتوري في فورة الحزن هذه..

وبحث الفيتوري عن الخلود لا يزال يختبئ ويبين في معظم قصائدة من علامته.

“وأنا من سوى رجل

وقف خارج الزمن

كلما زيفوا بطلا

قلت قلبي على وطني”

مرورا بـ “لا تحفروا لي قبرا

مثلي أنا ليس يسكن قبرا”

وكان سقراط قد أوصى تلاميذه قبل إعدامه أن لا يجعلوا له قبرا ليحتفوا بجسد فان، فالفكرة كالفطرة..

وكان قد كتب للصادق المهدي “وإنني قبل ألف عام

كنت قد نصحت متوجا مثلك

ما أعدله وما أعدلك

لكنه ازدراني

ازدري نصيحتي

فبقيت وقد هلك”

وفي لحظة من وسن أغمض الرجل عينيه لينام قبل النهوض لعل في خاطره كانت أمنية محمود درويش “حينما موت.. أي كتاب سأحمله معي”.

وبدمعة نازلة من كل عين يا بلادي.. تواري الفيتوري عند ساحل الأطلسي لعله ينتظر الأفارقة الذين استعبدهم الغرب قديما وبنوا أمريكا هذه التي أسلمت أمرها لأحد أحفادهم

وتنازعت الأنظمة والدول الفيتوري، فولد في دولة وعاش في دول ومات في دولة، لكنه بقي سودانياً خالصاً.. هذه نقطة من مطر دموع على رجل لا يزال يناتل في قبره أنه لم يمت.. فلمن هذه المراثي؟!