هيثم صديق

دمع الدم

كان الراحل محمد طه محمد أحمد يستشهد دوما في كتاباته ببيت الشعر: إذا احتربت يوما فسالت دماؤها تذكرت القربى فسالت دموعها لكن الصراع القبلي في شرق دارفور لم يتذكر القربى هذه وبحر الدم يغرق الآلاف، والضحايا من ضحايا يولدون في عبثية الموت الرخيص. والعجز الحكومي والمجتمعي عن الحل سيخلف قادما قاتما سيلقي بظلاله على كل المشهد العام في البلاد. إن استعمال أسلحة ثقيلة في صراع ما بين قبيلتين يوضح بجلاء ما وصل إليه الحال وما يمكن أن يصل إليه لو تمددت النار إلى مساحة أوسع في رقعة مفروشة بالعشب الجاف. لابد من حلول عاجلة تبدأ بوقف الحرب أولا وتطييب الخواطر والتعويض ثانيا وسحب السلاح من بعد ذلك من أيدي الكل في الإقليم الموبوء بالصراعات، إلا الذي في أيدي القوات النظامية. إن صراع أبناء العمومة في دارفور قد تطاول عهده ونخشى أن ينفلت إلى ما سواه فيدفع الجميع ثمنا غاليا فيما بعد. ها هي اليمن وليبيا تحكيان ما يمكن أن تصنعه القبائل في وطن.. وتجربة الصومال تبقى ماثلة أبدا لما أصبح ليوم واحد بلا اقتتال يعني عيدا وفرصة للاحتفاء. من الصعب جدا أن يسيطر بسهولة على منطقة تتعامل بالثأر والثأر المضاد بعيدا عن معالجة بعيدة المدى تصطحب تجربة الحكومة المصرية مع قضية الثأر في صعيد مصر بإخضاع الأمر كله لمحاكم متخصصة وسوق الجميع إليها بالترغيب والترهيب. لن ترضى الحكومة بأن تخرج أي جهة عن سيطرتها المباشرة ولا بأخذ الحق بعيدا عن القنوات المعروفة، لكن الأمور متشابكة جدا تحتاج إلى مجهود جبار لأجل صالح المتقاتلين قبل الجميع. ونحمد الله أن هذا الصراع الدموي بقي بعيدا عن عدسات المصورين وفيديوهاتهم، وإلا لاستعرت ناره أكثر وجذب إليه مغبونين كان المشهد سوف يؤثر فيهم بلا شك. إن القتل الساهل يبقى بعيدا عن فطرة الإسلام لذلك ينبغي معالجة كل ما من شأنه أن يستفز أو يستنفر… ويحتاج الجميع إلى دموع القربى لا دماء الغرباء مع إبعاد الزيت عن النار ما أمكن.