هيثم صديق

كيس ملآن وقلب خاو


يا بلح المدينة
منو البجيبك لينا
كان منتصر يمدح وهو يكدح في بناء منزله الجديد في طرف المدينة مشتهيا بلحا نظيفا وطريا يسد به جوع بطنه التي تصيح بين فينة وأخرى وهو (يدق) الطوب في نهار حره يفور الماء في (البرميل) الذي يشتريه بخمسين جنيها وهو ينظر الى النيل كما نظر إدريس جماع يوما الى حسنا فأنشد:
أنت السما بدت لنا
واستعصمت بالبعد عنا
كان أطفال منتصر الصغار يعملون معه لأجل أن يكتمل البناء سريعا فيستقرون بعد (مزازاة) طالت واستطالت ما بين بيوت الإيجار وتغير الجار.
اشترى منتصر هذه القطعة القصية بقرابة المائة بعد أن باع الذي أمامه وخلفه وفوقه وتحته وعن جنبيه
ولم يتبق لمنتصر ولو جنيه فائض ليستأجر عاملا يساعده لذلك طفق يعمل وحده حتى تطفق وجهه.. جاء ذات صباح ليواصل عمله فوجد علامات باللون الأبيض مفادها أن عليه الإزالة لأن بنيانه عشوائي.. كاد يجن وبعد مداولات ومحاولات عرف أن عليه أن يدفع رسوما للمحلية ولكن زوجته أكدت له أن الموضوع (محلول) وأن صرفة (صندوق) ستأتيه من فوره.. اكتمل البنيان وزاره الأهل والحبان واستقر منتصر بأسرته بضعة شهور قبل أن يدمدم الرعد ويلمع البرق ويأتي السيل.. وفي دقائق عاد منتصر إلى نقطة الصفر وانمحى في طرفة عين بيته ولم تتبق إلا قطعة الأارض ووعود التعويض… ومن جديد عاد ليعمل بنفسه وأقام البيت وها هو الخريف على الأبواب لا يدري هل سيكون خريف خير وبركة أم خيرانا وبركاً… لم يجد أولاده سببا لحزن والدهم هذا فلقد اختفت ضحكته وتوارى هظاره وأصبح سريع الغضب.. لم يكن في مقدوره أن يعيد الكرة مرة ثالثة.
كان يعمل سائقا لامرأة فشعرت بشروده وحزنه هذا فصارحها بحقيقة الأمر فأبدت تعاطفا كبيرا معه ووعدته بالمساعدة ولا يزال يفضفض لها وتفضفض له حتى أفضت الفضفضة إلى أن يتزوجها سرا ويقضي معظم الوقت معها ويعود إلى المنزل بالكيس ملآن نعما ولكن بقلب خاو.
عرفت الزوجة الأولى أن في الأمر ما فيه وأن هناك امرأة أخرى. قال لزوجته السرية وهو يواري خوفه منها ومن الخريف القادم إنه سيعود الى الإيجار من جديد حتى تمر أيام المطر.. وطلب منها أن تعينه فأبت في لؤم وألقت عليه يمين الطلاق لما كانت العصمة عندها.. هجم عليها بتوحش وهو الآن في السجن وقلبه مقبوض.. سيواجه أولاده الخريف لوحدهم هذه المرة.. يا للمرأة الشيطان.