هيثم صديق

عاصفة وحنان يا ناس


وهبَّت عاصفة في الحرم المكي فأعطت الشهادة لعشرات الحجاج ما بين ساع وطائف، فصدق قول القائل إن بعض الرزايا نعمن ثم أنشد:
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبد الألم فإن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
وقبل ذلك، فلقد ائتلف حول عاصفة الحزم نصف العرب بعد أن فرقتهم عاصفة الصحراء تلك التي أودت بأماني العراق، وتعيد هذه أمل اليمن، وتعيد العواصف ألق العواطف، فترمم متصدعها وتثبت متضعضعها.
لقد أغرقت عاصفة مركبا مطاطيا، فقذفت الأمواج جثة الطفل كردي، فإذا صورته تتحول لتأشيرات العبور والمرور لعشرات الآلاف من شعبه، وكلما طغت العواصف جاشت العواطف.
فلا نجد حرجا أن نغني على الأطلال والأنقاض لعمار قادم وأمل بسام:
عاطفة وحنان يا ناس
وإنسان رقيق وناس
فلا تجد إلا أن تتحول كما موجات رقمية من ما ينضح الدم إلى ما ينثر الفم وليل الأحبة صباح.
وحكمة الله تزكي الأمل فينا دوما والإرادة تفعل ما تشاء، لكن يبقى المرسى دوما للخير وللحق مهما استطال البحر، وبعدت اليابسة، وأكلت الطير القندول واطفأت الريح القنديل.
إن الأغاني ذات المعاني لتسري عن الحزين وتفتح نوافذ للأمل قد لا يملكها بعض الوعاظ والخطباء من الذين يفسرون الماء بالماء.
(الحب والشعر لو أن بعض هذين كان يشتري)، يمكن أن يباعا، يا أيها القائل ذات يأس فإن حبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل في عشم باكر.
لقد عبر عبد الرحمن الداخل الفرات سباحة هاربا من مطارديه، فإذا به صقر قريش في سطوة الأندلس، ولعل إخوة لإيلان يحاكونه يوما، فتبدل الحال والأحوال.
إن العواصف لتبذر البذور وتسوق المطر فإذا بعد ضررها نفع ونضار..
هكذا طاف بي طائف من عشم ذات أرق في اليومين الماضيين، فتتبع بصري سحابة كانت تغطي النجوم وتجليها حتى توارت لأخرى، ولا أزال كذلك وأغنية محمد ميرغني تصاحبني:
لا شفنا فيها ملل
ولا طاف علينا نعاس
فإذا بعدها تأتيني أغنية لكاظم ونزار في (فلاش) حاطب ليل عندي
أنا أقدم عاصمة للحزن
وجرحي نقش فرعوني
فإذا عاصمة أسمعها عاصفة وأسحب على وجهي الغطاء وأغمض عيوني هادئا كشهداء الحرم لولا أني قد نمت وعلى بطني رقدت كجثة إيلان التي أعطت الحياة للملايين.