هيثم صديق

ولكن أين تمثال وردي


أهل النيل الأبيض يحسبون أن نيلهم خير من الأزرق وأبناء نهر النيل يمدون لسانهم للأبيض والأزرق وكذا كل شيء في بلادنا عرضة للأخذ والرد والاختلاف إلا محمد عثمان وردي لما أجمع عليه الجميع. حتى إنه دهش لما وجد استقبالا من الحكومة فقال لو كنت أعرفهم يحبون الغناء لأتيت من زمان.
لو كان وردي في مصر القريبة دي كما يقول أهلنا لانتصب تمثاله قبالة اتحاد المهن الموسيقية.. لما صار النوبي الراحل أيقونة الغناء في كل أفريقيا والسودان من باب أولى.
ومن عجب أني حين أطالب بتمثال لوردي فإني أشبهه بجدوده من الملوك في الشمال السوداني وعمق النوبة حتى أسوان فما حفظ القدماء صورا على حجر من قبل السمر أجداد الحلفاوي العبقري.
لربما نهض ساخطون على تساؤلي هذا فكيف إن توقف الناس ينظرون إلى تمثال الإمبراطور عند خصر أم درمان يوحي لكل راءٍ له بأغنية من المئات التي أخرجها خالصة من حنجرته ثمرة لجائع وبوصلة لضائع وحلقا في أذني جميلة وثريا في سقف بيت أو شعبة في وسط أوضة.
يا أماسي الغربة فد يوم فرحينا
هكذا اختصر الراحل محمد حسن دكتور معاناته ذات منفى لكن وردي جعلها بكائية لمن تأخر عن بيته بعض ليلة.
من أمجاد وردي أنه يشلخ نخلة الكلمة من ديوان ويزرعها في خصب حنجرته ويسقيها من منبع فنه المسحور فإذا بالعجوة تتدلى فورا بلا انقطاع
إن غنى للوطن اندفع إلى سوح العطاء حتى من تردد وإن غنى الحبيبة أقامت البلاد أعراسها فورا ونبت الأبناء كالقمح والوعد والتمني..
الخدود الشاربة من لون الشفق عند المغارب
ديل خدودك سيدي سيد الناس سيد الحبايب
هذه الأغنية التي أستمع لها حال كتابتي بصوت ملحنها وردي وقد أهداها لعثمان مصطفى بعد أن كتبها ساحر الأشعار سماعين حسن قد أشارت إلي أن أعيد قناعتي القديمة بأن الكلمة عماد الأغنية ومما يحفظ لوردي أنه ما زوج لحونه إلا لكفء الكلمات.
لقد قلد محمد منير وردي وسرق منه هاني شاكر لكن الفرعون الكبير كان كمحسن ألقى بمنحته للأعلى لم يضره أو يعنيه على من تسقط.
وحتى يأتي زمان -ربما- لمن يهدم التماثيل فاجعلوا لوردي تمثالا.. عسى أن يمر بقربه متشاعر فيلجم قلمه ومغنواتي فيخجل.