هيثم صديق

امحمد ود أحمد


هكذا عرفه الناس وعرفته فهو جدي خال والدتي مباشرة منذ أن تفتحت (أذناي) على الحياة كان صوت الأذان يأتيني منه في فجر البرد القارس والحر الشديد والمطر الهطال لم يغب صوته الجميل بمايكرفون وبغيره في متوالية الفناء للعابد المتبتل. ولأنه يرقد الآن في مستشفى الشعب يشكو من قلبه فلقد آثرت أن أكتب لسريره المرضي أذيع له سر الرجل الذي لم يقم علاقة صداقة مع الأسرَّة في دأب امتد لأكثر من ثمانين خريفا لم يوقفه فيها من العمل والأذان وانتظار الصلوات إلا سلبطة مرض لجوج.
محمد أحمد الخليل لا يستطيع أن يقرأ حروفي هذه لأنه أمي لا يعرف كتابة ولا قراءة لكنه من القلائل الذين فكوا بفطرتهم كل شربكة في الحياة بسعة أفق وذكاء طبيعي مع أنفة تتقاصر دونها عوالي الجبال.
يده المخشوشنة أبحرت قبل الاستقلال من الخرطوم حتى جبل الرجاف الما بنشاف عند الجنوب هناك مربوطة على مجداف خشبي وله هناك ذكريات كم أنست طفولتنا وصبانا وكهولتنا هذه ونحن نقسم نصف عمره وقد قسمتنا الهموم.
وحينما ينعي الناس الزمان السابق كان ينتهرهم بصوته الجهوري قائلا: احمدوا الله يا ناس الآن أفضل من أمس فلقد كان الرغيف تحلية والإضاءة رتينة وقضاء الحاجة لها عمال يحملون جرادل العذرة في خرطوم ود اللمين دي -كانت الخرطوم تسمى كذلك- قبل أن تصبح غريبة وسط أغراب.
وامحمد ود أحمد بمسبحته التي لا تفارق يده كأصابعها لا يترك حفلة إلا وكان أقرب الناس إلى فنانها ينظر بعينيه الدقيقتين إلى الحياة كيف تبدل أبطالها وينظر إلى أحفاده على أكتاف أصحابهم ويتذكر الأصحاب وليالي الطرب والقمر يطل ويفل في متوالية الأيام والشهور والشاهد يكتب ويقول ما دائم إلا الله.
يا أطباء وسسترات وممرضي ومرضى ومرافقي مستشفى الشعب بالخرطوم، إن رجلا مسنا يرقد هناك راضيا، لهو كنز من كنوز بلادي لم تزره كاميرا ولا يأبه له سائر، لكنه سلطان الزمان. لم يبع بالكذب ولا قبض ثمنا زيادة إن باع قصبا أو أبسبعين نؤشر به دليل براءة للسودان أن لا يكسرن ظهرك من لهفوا المليارات ويتعالجون من كحة في الخارج ويحجون في العام مرتين بمالك.. هذا الكبير لم يحج والتسعين تدنو منه لكنه لم يترك الشهادة يوما فلينهض بمن الله للمآذن.