ذكرى رفع الألم
ولا أدري على أي منطق يتكئ من يقول لك إن ذكرى الاستقلال تستحق البكاء والعويل لانفكاكنا عن الإنجليز الذين كانوا سينهضون بالبلاد أفضل، ويطلقون لأنفسهم العنان في الجنان التي كانت ستتفجر في البلاد، ومن عجب أن فيهم بعض المستنيرين والبعض محسوب على النخبة، ولعل أكثرهم قد ربط ذلك بحالة يمر بها مسقطا هذا الإحساس الشخصي جدا على أمر عام لا تنتطح عليه عنزان. للأسف أن هناك عدم تفريق ما بين الحكومة والوطن عند الكثيرين، فتراهم يسبون البلاد ويضيقون بها ويتحاججون بأن الحكام هم الذين دفعوهم إلى هذا، وهذا الأمر هو من جعل بعض الأيادي الراجفة والواجفة من برد الداخل أو الخارج ترسل أحرفها هذه، وتلك الآراء الفطيرة خالعة كل بطولة عن الذين أتوا بالاستقلال بسهر الليالي الطوال والعمل الدؤوب والتضحيات الجسام. هل لو كان الاستعمار – الله لا عادوا- إلى الآن موجودا هل كان سيجد مقاومة ممن تمنوا اليوم أن تكون بريطانيا تحكم إلى الآن؟ وماذا فعلت بريطانيا في حكمها الطويل للبلاد الذي امتد لأكثر من عمر هذه الحكومة مرتين؟ لم تفعل شيئا للأسف إلا ما يجعلها تسهل نقل الثروات المنهوبة لبلادها مرورا من السكة الحديد وحتى مشروع الجزيرة. ما كان للاستعمار أن يبقى بأشواق بعض الذين يريدون حرية أن يفعلوا ما يشاؤون بدون أن تمس يد ما لهم وأياديهم تعبث بالآخرين. بل إن البعض يتمنى في لام اللا عقل أن يحيق ببلادنا ما حاق بدول كثيرة بعض فوضى الربيع العربي لكي يتشكل نظام جديد لا يدرون متى يستمر الدم حتى ترسو سفينة أحلامهم على الجودي.. الوطن أكبر من حكومة وحزب، هذا ما يجب اصطحابه في الاحتفال بالاستقلال مع تذكير وإعادة لمقترح سنوي بأن يكون يوم إعلان الاستقلال من خارج البرلمان، هو يوم الاستقلال الحقيقي الذي يتم الاحتفال به، وفيه عوض عن الاحتفال في أول يوم من كل عام الذي فعله الإنجليز لأجل إنه يصادف عيدا لهم فسلموا فيه العلم.. ينبغي مراجعة يوم الاستقلال وليكن العام القادم يوم 19-12 وليصادف يوم الأول من يناير يوما عاديا بلا جوطة ولا جوقة، كما يجب أن يكون في بلاد تحتفي بعيد بلا معنى وتستكثر على نفسها يوما يستدعي فيه التاريخ والمستقبل لا ذكر فيه الأجداد ولا تعلم الأحفاد.