هيثم صديق

شاعر البلاط


ونور الدائم كان فنانا في كل شيء كل لافتة خطها هو، وكل حفلة فنانها هو، وكل هدف محرزه هو.. يقرض الشعر شعبيه وحديثه، ويرسم اللوحات بألوان الماء وألوان الشمع وكل ترويسة في بناء لا يعملها هو، فهي مائلة في الجمعية الأدبية في المتوسطة أجبر أستاذ اللغة الإنجليزية أن يصعد إليه على المسرح، ويشد على يديه، فلقد كان يغني لبوب مارلي وأطلق فيما بعد له السراح أن يمشط شعره مثله.. ونور الدائم هذا رمز لفتى كان يجاورني في أولى غزالي وثانية بيومي في ثانوية المقرن، كان يملك دهشتنا و…. لكني لم أجد له أثراً فيما بعد، بحثت في كل الصفوف الأولى للأحزاب وللدولة وللصحافة وللثقافة وللدبلوماسية وهو لا يبين.. يوم أن يملك مفكرة لأقوال العظماء كان عظم شليل غائب عن أقرانه، ويوم كان يتحدث عن (الجبهجية)، والإنقاذ لا تزال شابة، كنا نظن أنه لن يأتي غدا للمدرسة ويأتي.. كنت انبهر وهو يشعل سيجارته بعد (البوش) بقداحة على شكل مسدس، ومع ذلك لم يدعني أبدا لتخميسة، فأنا لا أحب المكيفات وإن أسر إلي أنه يشرب الأخرى في بعض الأماسي… بحثت عنه بحث بخيل ضاع في التراب خاتمه، ولم أجد له أثرا.. أول مرة سمعت باسم صلاح عبد الصبور كان منه.. وكان يسمع لي فصولا من مسرحية الحلاج وبعض أبيات لمتصوفة كبار من السهروردي وابن الفارض والنابلسي.. وأهداني ديوان محجوب شريف.. اكتشفت مبهورا أن الشعب حبيبي وشرياني هي الحزب حبيبي وشرياني.. ويا للهول حينما يضرب بيديه بإيقاع عجيب على الدرج في حصة فاضية، ويطلق صوته الساحر “كل ما سألت عليك صدوني حراسك.. ردوا الجواب قاسي كم غيرك احتاروا مع اني من ناسك” ويتحلق حوله هواة الإثارة، وهو يحكي لهم فيلما شاهده بالأمس في سينما غرب، وهي تسمع لكلامنا بجوار المدرسة ثم يحكي لنا – لهم- عن ما كان منه أمس والفيلم الثقافي يعرض في المخيلة والعيون الصغيرة تنط دهشتها منها إلى بحر الخيال.. ثم يصيح فجأة في أحدهم صيحة ذات مغزى ويواصل سرد غزواته.. قبل طابور صباحي رأيته يوما يصلي.. قال لي هذه صلاة الضحى.. كان مريكب شايلها التيار كما غنى عبد الرحيم البركل.. قبل سنوات سمعت أنه أصبح يركب البلاط للأرضيات، ثم ابتلعت الأرض أخباره عني.. كان بلا شك قوس قزح الإنسان.