كجراي المحارب
زحسب لغة أهله البجاويين فإن كجراي تعني (المحارب) وهو محمد عثمان كجراي صاحب (الليل عبر غابة النيون) ولا زلت أذكر أن هذا الاسم بالذات هو ما شدني إلى هذا الشاعر الكبير لما رأيت ديوانه على قارعة الطريق ذات خريف بعيد وأنا في الثانوي العالي وكان الغلاف شبه مبلول لما حملته ونقدت عارضه الثمن قبل أن أدخل في ذات اليوم إلى غاباته المسحورة ومن بعد ذلك تعثرت بـ(إرم ذات العماد) ديوانه الآخر قبل أن يدهشني وردي بأغنية (مافي داعي تقولي مافي) له..
كجراي شاعر لم يكتشف بعد للأسف، وفي ظل الوضع الآني لاستسهال المفردات والشعراء الساندوتشات وقصائد التيك أوي فإن قيمة غذائية ثقافية كبرى سنفقدها.
لكجراي أيضا (الصمت والرماد ومرايا الحقول) وهذا الأخير كنت قد قرأت بعض قصائده من نسخة ممزقة قبل أن أجده لاحقا لأعرف أنه للشرقاوي العجيب
كجراي مثل درر الشرق الأخرى كأبي آمنة حامد الذي صاغ أروع المفردات قبل أن ينتهي إلى اليأس والسأم وساق أحلى الكلمات إلى باب الأسماع والقلوب وارتد أسيفا.
هناك شرقاوي آخر أحب أشعاره جدا –قل نحب – وهو عبد الوهاب هلاوي والذي قرأت له سابقا حوارا أعلن فيه أنه كان ناقدا فنيا في الصحافة قبل أن يترك القلم ويفارق مهنة الألم.
ثم أدهشني كجراي للمرة الـ453878765 لما سمعته بصوت إبراهيم حسين:
قالوا الزمن دوّار يا بسمة النوّار
ياريت تعود أيامنا ونكمّل المشوار
يا قلبي يا سواح
قول لي متين نرتاح
دمع الحنين خلاّنا ما نعرف الأفراح
وما بين حميمية اللهجة السودانية ووعورة اللغة الفصحي، يصبح الرجل المولود في القضارف كبيرا وعارفا حتى بعد مماته خالدا مثل مطر الدالي والمزموم وإن غيبته باقي الفصول وأظهره الفضول.
لكنني أعرف أن الصمت لا يجدي
وأن موجة الحزن التي تعصف بالقلوب لن تطول
أعرف أن بيننا عوالـمًا على المدى السحيقْ
ألهث في امتدادها،
وأمسح الجبين من غزارة العرقْ
وحدي قطعت رحلة الأسَى على أجنحة الأرقْ
مشاعري كما عهدت مثلما أغنية
تخضر في مساحة الورقْ
همستُ كلمتينْ
ربيعنا أورق في الحقول مرتينْ
والشوق قد أنبت في الجدار زهرتينْ
تشدني إليك يا صديقي رهافة النغمْ
وذلك المرهقُ في جوانحي
تعصره أصابع الألمْ
هيثم صديق – (هتش – صحيفة اليوم التالي)