هيثم صديق

شاهد على العصر: التعادل لا يزال قائما


جاء الرجل إلى الاستاد والمباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة وسأل عن النتيجة فقيل له: (تعادل) فتنفس بارتياح وجلس وهو يقول الحمد لله ما فاتتنا حاجة.. وكان المعلق المصري الأشهر محمد لطيف يقول (الكورة أقوان).. رغم أن مباراة قد تنتهي تعادلية تحمل كل إثارة كرة القدم وفنونها.
وبرنامج شاهد على العصر الذي يستضيف في حلقاته المسجلة منذ ست سنوات الشيخ الراحل حسن الترابي لا يزال تعادليا بفقه صاحبنا. لم تفت منه إثارة لمن ينتظرها فلا يزال ليل حفلته طفلا يحبو.. ينتظر الناس حلقات معينة هي ما جعلت حزبه وأسرته يطالبون بإيقافها ولو وجدوا طريقا لحذف مقاطع بعينها لفعلوا كما تفعل الرقابة مع الافلام أو كما فعل الطيب مصطفى مع الاغنيات التي أقسم شاعرها بعيون الحبيبة أو شامتها..
(التقيل ورا).. هكذا تقول الحلقات التي تبث على نار هادئة في زمن سطوة البارود على كل شيء.
كل ما قاله الشيخ الراحل في حلقات بثت لم يأت بجديد.. قاله سابقا وحتى ما ينتظره الشفقانون أو المشفقون قاله الشيخ ولو تلميحا ولا أظن أن أثرا سيقع على أحد من كلامه، فالحكومة مثل عمرو بن العاص حينما كان يخطب خطبة الجمعة في الفسطاط يسمع من يصيح متخفيا: (من أمك?) فقال عمرو: إن أمي كانت جارية للعاص بن وائل أعتقها ثم تزوجها فأنجباني فمن أعطاك على قولك هذا مالا فخذه.. وكتل الدش في اليد لعله سيكون رد فعل الحكومة وحزبها والحزب المنشق عن حزبها.. فست سنوات أجرت مياها كثيرة تحت الجسر ومن كان يمسك بالسلطة تلك الأيام توارى إلى الظل يوجه بريموته أو لا يفعل لكنه أصبح بعيدا بما يخفف كل قول ومستند قد يخرجه الرجل الذي لا أزال مصرا أنه أكبر من أن يطالب ببث قول له بعد وفاته إن كان فيه ما يمكن أن يزيد آلام أمة مجروحة في كبدها فليس ذلك من شيم الكبار.
حتى الجزيرة القناة لم تعد بذلك الحضور الطاغي والتوجيه، فلقد تغيرت نظرة الناس لها وغيرت قمرها فأصبح خاسفا في ليل بدره وغائبا في ظلام العرب والمسلمين الدامس لما أصبح نقل الأخبار لا يحتاج مراسلا. فتولت النجومية مع تيسير علوني وغيره لما كانت الحرب محدودة المكان محددة الملامح.
ونكتة رجل السينما تصلح للختام؛ ففي أيام توفر دور السينما وما يعرض الليلة ينشر في الصحف ليسهر الناس جماعة عوضا عن أحادية التلفزيون ثم توحد الهاتف الذكي كان البطل محاصرا والموسيقى التصويرية تبلغ الأمر قمة إثارته فهتف من خلال الصمت المطبق هاتف: (يا جماعة البطل ده ما بموت.. أنا حضرت الفيلم ده في مدني).