في حكاياتنا مايو
كنا زمن نفتش ليك
وجيت الليلة كايسنا
ومحجوب شريف كان مثل ثوار 25 يناير تعجلوا في شتم العهد البائد ثم أقاموا ثورة أخرى ليعيدوه مع بعض الرتوش.. غفروا الرصاص الخرطوش.. حولوا الرئيس المنتخب إلى خائن في طرفة عين وتحول الحكام إلى السجن.. والسجن كان من نصيب الشاعر والمغني في تجربة مايو فغنيا معا بلا وانجلا انهد كتف المقصلة…
16 عاما من الحكم جربت فيها مايو كل شي لتبقي.. تحالفت مع اليسار واليمين.. استجلبت الخمر المستورد وأهرقته في النيل.. سجنت وأطلقت.. قتلت وأحيت.. ثم هب عليها الشعب كسابقاتها من الحكومات.. وسلمها إلى ديمقراطية تشبه الاستراحة بين الشوطين في مباريات كرة القدم ريثما يستأنف اللعب من جديد..
قدمت مايو أنجح تجربة تكنوقراط في البلاد وأفشل تجربة انفراد بالحكم أيضا.. كان قائدها عف اليد لكنه كان متسلطا ومعتدا بنفسه فصبغ صورته على الجنيه ومشتقاته.. في أول السبعينيات جاء بياسر عرفات من عمان في الأردن والقتل سيد الموقف.. في أول الثمانينيات التقى بأرائيل شارون ورفد إسرائيل بالفلاشا.. تحدث غاضبا يشتم من خانوه في بداية العهد وقد علقهم على المشانق.. ثم من منفاه لعن من خانوه فسلموا السلطة للشعب..
ما بين هاشم العطا وعبد الرحمن سوار الذهب عاش النميري حياة متباينة فحول الشعب معه من توتو كورة إلى دولة الشريعة.. ألغى حتى المريخ والهلال في مزاجيته.
لا تنفك ثورة مايو أو انقلابه عن نميري بحال من الأحوال.. كان الشيوعيون يريدونه مثل محمد نجيب يحكم لمدة ثم يتولون الأمور هم كما فعل عبد الناصر ورفاقه.. كان الإسلاميون يريدونه مثل حكام إيران يطبق وصايا المرشد.. لكن الرجل القلق كان يشبه تماما السادات.. قرب اليسار ثم أدنى اليمين ثم انقلب عليهما معا.. ولكنه سلم من حادث المنصة في نسخته السودانية ومات شيخا في بيته الأول بين يدي شعب غفور.
تعلم الجميع النضال والسياسة في عهده فلم يترك أحدا إلا وضايقه.. وأجهض انقلابات كثيرة. لم يرحم من تجرأ عليه أبدا حتى الأزهري مات في سجنه ونعي كأستاذ رياضيات.
شهدت مايو بعض إشراقات تمثلت في مشروع الجزيرة الذي كان في شبابه وفي بعض المصانع لكن في التعليم كان لمايو نجاح ساحق فكان كل من وجد حظه يجد الكتاب والكراس والإجلاس… وكانت العلاقات الدولية في تمامها فهو لم يكن يعادي إلا القذافي وحسين حبري فجهاز أمنه كانت سطوته تقض مضاجع دول..
ما أنهى مايو كان الجفاف لا ثورة وانتفاضة.. وتقديرات تطبيق الشريعة التي قتل لأجلها محمود محمد طه الذي كان مثل سعيد بن جبير.
كنت أقرأ في طفولتي الباكرة مجلة أطفال اسمها مريود كانت تنشر صورة لأول مجلس سيادة.. أتذكر أن كبار السن قد أخذوا مني المجلة وطفقوا يحنون لذاك العهد.
قريبا أمسك أحد أولئك بصحيفة كنت أحملها تنشر صورة لضباط مايو فحدثني عنها بذات الحنين وصوت الراديو يرتفع بالغناء يترجم ما أريد:
لو إنت نسيت
أنا ما نسيت