ماذا يحمل ترامب وكلينتون لإسرائيل؟
ناقشت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، الاثنين، مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل بعد الانتخابات الأمريكية، ونظرة كل من المرشحين الأمريكيين عن الحزبين، الجمهوري دونالد ترامب، والديمقراطية هيلاري كلينتون، إلى إسرائيل.
وقال الباحثان الخبيران في شؤون الشرق الأوسط ستيفن سيمون، ودانا آلين، في مقال مع فورين أفيرز، إن “الأحداث السياسية المتوزاية في إسرائيل والولايات المتحدة قد تؤثر بشكل كبير سلبا على تحالفهما”، موضحين أن الحزب الجمهوري يرشح سلطويا غريب الأطوار وكاريزميا، في حين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي عين الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ البلاد.
ورغم أن النظرة السطحية قد تلمح إلى أن هذا سيقرب البلدين اليمينيين، ويؤدي إلى تقاطع كلا البلدين بدعوات إغلاق الحدود وتهميش المسلمين، فإن “الحالة مختلفة”، بحسب الباحثين.
“الترامبيسمو”
وقالت المجلة، الصادرة عن “معهد الدراسات الخارجية” والمعروفة بتأثيرها في دوائر صنع القرار الأمريكية، إن التهميش في إسرائيل مرتبط بحالة دينية وقومية ونظرة فوقية قديمة، بحسب تعبير الباحثين.
إلا أن الحالة في أمريكا، على النقيض من ذلك، وقد وصفاها بـ”الترامبيسمو” الأمريكي، فهي خط دفاع أخير للبيض المحافظين الذين يرون أن مكانهم في الأغلبية يتراجع.
وأشار الباحثان إلى أن البلدين يتغيران بشكل راديكالي، لكنهما يتحركان في جهات مختلفة، ففي إسرائيل، في مؤتمر “هرتسليا” الأمني في حزيران/ يونيو، انتقد وزير الحرب الإسرائيلي السابق إيهود باراك، الذي كان وزيرا في حكومات نتنياهو السابقة، الليكود ورئيسه بشدة، قائلا إنه “يضع إسرائيل في أيدي مجموعة من المتطرفين”.
وتابع باراك بقوله إن “هؤلاء المتطرفين يشوهون قضاء البلاد المستقل، ويقمعون المعارضة في التعليم والثقافة والمجتمع المدني”، موضحا بكلمات حادة، أنه “إذا كان يمشي كفاشي، ويتحدث كفاشي، وينبح كفاشي، فهو فاشي إذا”، متهما حكومة نتنياهو بقتل حل الدولتين عبر نشر المستوطنات في الضفة الغربية.
صحوة دينية في إسرائيل
وليس هذا الأمر مختبئا في إسرائيل، حيث تدعم الغالبية هذه السياسات، بحسب الباحثين. فقد أظهرت استبيانات للرأي تراجعا حادا في دعم هوية إسرائيل كـ”دولة ديمقراطية”، من 26.1 بالمئة في عام 1998، إلى، 14.3 بالمئة اليوم.
وفي المقابل، فإن نصف الأطفال في إسرائيل عرب أو يهود أرثوذكسيون متشددون، أي أن الجالية المتدينة ستصبح أقوى في المجتمع والسياسة الإسرائيلية، بما في ذلك في جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث إن 2.5 فقط من المترشحين للجيش عرفوا أنفسهم كمتدينين في عام 1990، لكنهم أصبحوا 26 بالمئة في عام 2008.
وقالت “فورين أفيرز” إن ما أسمتها “الصحوة الدينية” مهمة، لأن الاعتقادات الدينية تتقاطع مع التوجهات التي تضعف الالتزام بالديمقراطية.
وعند سؤال الإسرائيليين عن رأيهم بالمساواة الكاملة بالحقوق بين اليهود والعرب، فقد وافق ثلثا المشاركين العلمانيين تقريبا، وأكثر من نصف اليهود “التقليديين”، وثلث اليهود “المتدينين”، في حين أن 28 بالمئة هم فقط من الحريدم، الذين يشكلون سكان ثلث المستوطنات في الضفة الغربية، ما يجعل احتمالية مغادرتهم ضعيفة.
وفي استبيان آخر في عام 2014، فإن ما بين 55 و58 بالمئة من الحريدم والمشاركين الأرثوذكس، قالوا إن الجنود الذين يتلقون أوامر بإخلاء المستوطنات يجب ألا يطيعوا الأوامر، كما أنه تم اغتيال أحد رؤساء الوزراء، إيتزهاك رابين، الذي أمر بإخلاء كهذا، ويلاحق شبح الصراع الأهلي أي رئيس وزراء قد يفكر بذلك.
وأوضح الباحثان أن مستقبل إسرائيل، في أي محفل، يبدو أكثر تدينا، أكثر قومية وعرقية، وأقل ديمقراطية.
مجتمع مفكك في أمريكا
ورغم أن المجتمع الأمريكي أكثر ليبرالية وتنوعا، فإن الحالة أكثر تعقيدا، فالولايات المتحدة تظل مستقطبة، والجمهوريون ركبوا موجة غضب الأقلية المحافظة لتعزيز مواقعهم في الكونغرس الأمريكي ومؤسسات الدولة.
وتشير لهجة ترامب، بحسب الباحثين، إلى حزب منكسر ومشاكل مستقبلية، فهو قد حطم توجهات الجمهوريين لعقود قادمة. فعلى سبيل المثال، فإن ترشح ترامب سيؤدي إلى تراجع نسبة دعم الأمريكان ذوي الأصول الإسبانية للحزب الجمهوري، مثلما امتنع الأفريقيون الأمريكيون عن التصويت للحزب الجمهوري لمدة 52 عاما منذ أن عارض باري غولدوتر تمرير ميثاق الحقوق المدنية.
وفي الوقت نفسه، فإن الشباب الأمريكي ينحى إلى أن يكون أكثر ليبرالية، وأقل تدينا، وأقل دعما لإسرائيل من أقرانه، فقد أظهر استبيان لمؤسسة “بيو” مؤخرا أن ما يقارب الـ57 بالمئة ممن يسمون أنفسهم “ليبراليين ديمقراطيين” متعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من إسرائيل، كما أظهر الاستبيان نفسه أن الديمقراطيين الشباب ينحون إلى أن يسموا أنفسهم “ليبراليين”.
وحتى بين الأمريكيين اليهود، فالصلة تضعف مع إسرائيل، وقد تراجعت الصلة الدينية للهوية اليهودية بكل الأحوال، إذ إن اليهود الأمريكيين يبدون أقرب إلى “اللادينيين”، من بينهم الخمس فقط، يعتبرون الارتباط بإسرائيل جزءا من الهوية الدينية.
وهذه النسبة الكبيرة من اليهود الأمريكيين لن تصوت بناء على مشاعرها تجاه إسرائيل، وتبدو أكثر معارضة للسياسات الإسرائيلية التي لا تتقاطع مع نظرتها الليبرالية للعالم، بحسب “فورين أفيرز”.
وليست هذه التحولات مفاجئة، فإن جيل ما بعد الحرب كان مقتنعا بأهمية الحرب العالمية الثانية، وشناعة خطأ الهولوكوست، والتعهد بدولة يهودية بجانب جيران كانوا يتعهدون في السبعينيات بإنهائها، لكن هذا الجيل بدأ بالانحسار.
وأشارت كلينتون، التي تظهر دعمها الكامل لإسرائيل، الخريف الماضي، إلى هذه الفكرة بقولها: “لأن هناك جيلا جديدا في كلا البلدين لا يتذكر الماضي المشترك، وينمو في عالم مختلف”.
ومع ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى المراهنة على مستقبل التحالف الإسرائيلي الأمريكي على الجمهوريين، كما فعلت في عام 2012، عندما اعتمد نتنياهو على خسارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما. كما أن السفير الإسرائيلي لأمريكا، ابن مالك العقارات الكبيرة في فلوريدا، ساعد ترامب على صياغة خطابه في جمعية “الإيباك” (لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلة)، اللوبي الإسرائيلي الأكبر في أمريكا.
استقطاب مرتبط بالإسلاموفوبيا
وأشارت المجلة إلى أن هذا النوع من الاستقطاب، مع ارتباط اليمين الإسرائيلي بحزب جمهوري مصاب “تماما بالإسلاموفوبيا”، قد يولد حالة من الرفض لدى اليسار الأمريكي كذلك.
فمع أن كل المشرعين الديمقراطيين في الكونغرس يشاركون كلينتون دعمها لإسرائيل، فإن هناك يسارا معاديا للصهيونية قد يظهر، مع كون إسرائيل قضية أيديولوجية وحزبية، بالإضافة إلى وجود إشارات لهذه التوجهات، مع ظهور التعصب اللا ليبرالي، وحملات المقاطعة ضد إسرائيل، والخطاب المتطرف المعادي للسامية.
أما بالنسبة للأمريكيين الذين يدعمون صهيونية ليبرالية، فإن هذا الاستقطاب مشتت لهم بشكل جوهري، فالبعد الأمريكي العاطفي للارتباط الأمريكي بإسرائيل معقد، حيث ينظر الأمريكيون لإسرائيل ويرون أنفسهم مع ارتباط تاريخي والتزام استراتيجي، فإنه من المأساة أن يتراجع هذا الارتباط، كما أن المرآة تتكسر، بحسب المجلة.