سياسية

جبل عامر..الـحقيقـة الغائبة (1)

لم يكن الوصول الى جبل الذهب (عامر) سهلا على أية حال ،ولربما سبقت الجبل قصص أشبه بالأساطير من حيث الخطورة في الوصول اليه ،اضافة الى مزاعم امكانية ان أقتل او أن أتعرض للاختطاف في افضل الاحوال ،كل ما سبق حملته وأنا اتذكر ذكرى الأحداث الدامية التي وقعت في الجبل بـ2013 وراح ضحيتها العشرات من المواطنين ،

ولولا رجاحة وحكمة الشيخ موسى هلال والناظر الجدي لما بقي أحد حياً حتى الآن , لو لم يتدخلا لحقن الدماء بحكمتهما ،وكان حديث وزير الداخلية عصمت عبدالرحمن طامة كبرى اخرى على سكان الجبل من المعدنين فالأخير استند إلى تقرير وذكر ان هناك 3 آلاف أجنبي مسلح يسيطرون على الجبل ولا يستطيع احد ان يدخل الجبل إلا بالدبابات ، ولسخرية القدر لم احتج الى دبابة لدخول الجبل والذي أمضيت فيه يومين ،ولم أحمل إلا دبابتي (قلمي وكاميرتي) ، وقليلا من الحذر والخوف ، وكثيرا من الشغف والرغبة في اكتشاف الحقيقة المجردة ليس إلا ،ولقد تكبدت في سفري الكثير من العنت والتعب والمشقة والمجازفة في أحيان كثيرة, فالوصول للجبل عبر طرق غير ممهدة شيء صعب على (خرطومي المنشأ)، ابتدأت رحلتي من الفاشر عبر الطيران ومررت برحلة شاقة براً حتى كبكابية وحتى دامرة حمدان ومن ثم الجبل, ومن هناك براً حتى السريف ومن ثم الى سريف عمرة فالجنينة في رحلة استغرقت ستة أيام ، وكل هذه الرحلة كانت على ظهر لاندكرورز معتليا أمتعة وبضائع ومرتدياً ( كدمولي )- وهو غطاء للرأس يقي من الغبار والبرد يرتديه غالبية سكان تلك المناطق – وسأسرد خلال قصتي هذه حقيقة ما رأيته لا ما سمعته ، وما تعرضت اليه ، وعن قصص تجوال قوات اليوناميد المشبوهة في مناطق جبلية ، وعن تعرض عربة من رافقتهم (مسؤولي الشركة السودانية للموارد المعدنية بشمال دارفور ) لمحاولة اختطاف من قبل مجموعة متفلتة طمعت في العربة والتي كانت تتجول بفرد حراسة واحد يدعى(دريهم) ، وعن ، وعن …فأتمنى ان تتابعوني بصبر في حلقات سردي.
قصة السفر
(يا زول إنت مجنون؟) … هكذا هتف مدير التحرير كمال عوض بذهول واندهاش وأنا أبلغه رغبتي في الذهاب الى منجم ذهب جبل عامر في شمال دارفور ،ولعلي أشفقت عليه قليلا وعلى نفسي ايضًا من ردة فعله وظل يكرر نصائحه ويلح علي بعدم المجازفة والذهاب الى مكان قد أقتل فيه او يتم اختطافي، ولكن يبدو ان شغف الصحافة الحقيقية الاستقصائي والميداني قد سيطر علي خصوصا بعد تحولي لصحافي مكتب (ديسك) بعد ترؤسي لقسم الأخبار، ولكن ثمة شيء بداخلي يدفعني في مرات للتحرر من قيود الوظيفة والاندفاع نحو الصحافة الحقيقية بعيدا عن المكاتب، ولفائدة القارئ الكريم أوضح ان مدير تحريري انتابه القلق بسبب حديث سابق رماه وزير الداخلية عصمت عبدالرحمن أمام نواب الشعب تحت قبة البرلمان عندما استوضحه أحد النواب عن حقيقة الوجود الأجنبي في جبل عامر ، فجاء الوزير ورمى تقريره الذي فجر دهشة النواب ودهشة الشعب من جانب ، ودهشة سكان جبل عامر من معدنين في الضفة الأخرى ،حيث تبرع الوزير بالقول ان الجبل به ثلاثة آلاف أجنبي مسلح يسيطرون على الجبل ،وأن لا أحد يستطيع دخول الجبل إلا بالدبابات والأسلحة الثقيلة؟؟؟ والاستفهام السابق من عندي فالحديث عن وجود (دولة )جبل عامر-(ان صح) – مثير للدهشة في دولة تمتلك سيادتها ، ولعل هذا الحديث هو ما دفعني للذهاب الى الجبل ، مستعيناً بعلاقات رئيس التحرير بتلك الأنحاء ،وقام بدوره
بإجراء عدد من الاتصالات لتوفير الحماية لي في الجبل وكان أول اتصالاته بقائد قوات الدعم السريع اللواء محمد حمدان الشهير بـ(حميدتي) والذي بدوره رحب بالأمر ووعد خيراً ولكنه لم يستجب لاتصالاتنا لاحقاً، وكان حميدتي قد أصدر تصريحات لاحقة لحديث وزير الداخلية مؤكدا أن الجبل تحت سيطرة الحكومة السودانية , وان قوات الدعم السريع والجيش يسيطرون تماما على الجبل ، ولعل لتصريحات حميدتي المتناقضة مع تصريحات وزير الداخلية كان دافعا محفزا لي للمضي قدما في الذهاب الى جبل عامر ، فهناك الكثير من الاستفهامات في حديث وزير الداخلية وللبرلماني طارح السؤال في البرلمان, وفي رد حميدتي لاحقاً ، فبدا واضحاً لي ان هناك شيئاً غامضاً في هذا الجبل لابد لي من استجلائه والتقصي خلفه ، واتبعت حدسي وقررت التوجه الى هناك ، ولم اكتف بمحاولات رئيس تحريري فقط, فقد أجريت العديد من الاتصالات بأشخاص لهم علاقة بتلك الأنحاء ومن بينهم البرلماني السابق إسماعيل أغبش وهو من المقربين من شيخ موسى هلال الزعيم الأهلي الأبرز في دارفور ، والذي ارتبط اسم الجبل في وقت من الأوقات باسمه ،إبان قيادته لجهود حثيثة لحل نزاعات أهلية اندلعت في الجبل بين مكونات المجتمع المحلي هناك راح ضحيتها العشرات في أحداث شهيرة في العام 2013 ، وبذهابي للجبل في رحلة شاقة وفريدة من نوعها عبر الطيران في بداياتها للفاشر ومن ثم بالبر ممتطيا ظهر (لاندكرورز) لمسافة بمقاييس العدد الطبيعية تبدو قريبة (169 كلم مربع ) ولكنها بمقاييس تضاريس المنطقة الوعرة الجبلية في حين والرملية في حين آخر بدت لي غاية في البعد خصوصا وأنا امتطي ظهر العربة برفقة السكان المحليين للمنطقة, والذين تعودوا على ركوب ظهر العربة اللاندكرورز (البك إب ) بصحبة البضائع التي يتم شحنها للمنطقة .
رحلة المجازفات
وكانت البداية في صباح يوم ثلاثاء في منتصف الشهر الجاري بمطار الخرطوم, وأنا أتوجه الى الفاشر ، وباتصالات قمت بإجرائها بعدد من أصدقائي علمت ان صديقاً سابقاً لي كان قد شاركني رحلة صحفية مشابهة لكنها كانت لمناطق العمليات في جنوب كردفان موجود في منطقة قريبة من جبل عامر وهي محلية كبكابية ،ولحسن حظي أنا وربما لسوء حظه هو يتولى صديقي منصب نائب رئيس الشركة السودانية للموارد المعدنية (الجهاز الرقابي لوزارة المعادن) في شمال دارفور ويسمى( د .عبد الحميد أسوسا بلايل )وهو ابن عم الشهيد مكي علي بلايل ،فأجريت اتصالي به فرحب بي ،وقال انه يستطيع البحث عن طريقة لي لإدخالي جبل عامر اذا ما وصلته في كبكابية حيث كان يجري أعمالاً تخص الشركة هناك ،ونقل لي أسفه بأنه لا يستطيع ان يجد لي عربة تقلني له في كبكابية، ولأنني غريب عن الولاية طلبت منه ان يبين لي كيفية الوصول اليه ، فاشار الي بالتوجه مبكرا صبيحة اليوم التالي لسوق( المواشي) في الفاشر اذا أردت إيجاد عربة ركاب تقلني لكبكابية ، وطلب مني العثور على مقعد أمامي في العربة اللاندكرورز لوعورة الطريق ، فأخذت بنصيحته واستيقظت مبكرا في صبيحة اليوم الثاني لوصولي للفاشر وتوجهت الى موقف كبكابية، ولسوء حظي وجدت ان المقعد الأمامي غير متوفر وخيرني أصحاب العربات بين ان آتي اليوم التالي او ان أقوم بالركوب في الخلف مع بقية الركاب والبضائع ، ولأني الغريب في تلك الأنحاء ويبدو شكلي واضحا ، نصحني سائق العربة ويدعى محمد عبدالله جيد ان أبحث عن (كدمول) أو شال اتقاءً للبرد وللغبار، فبدأت الرحلة صباحاً وغادرت بنا العربة السوق بطريق جانبي ومن ثم الى خارج السوق ، ومررنا بمساحات مزروعة بشتلات غريبة في مساحات كبيرة جداً، بسؤالي لمن يجلس بقربي اخبرني انها مزروعة بالصعوط (التمباك) ، وامتد الطريق الوعر والذي تتغير طبيعة التربة فيه بطريقة غريبة من تربة طينية الى اخرى رملية الى أخرى صخرية ،بطريق شاق لا أعتقد أن هناك عربة اخرى خلاف اللاندكروزر تستطيع أن تعبره ،فتلك العربة القوية تستطيع ان تصعد التلال الصخرية والجبال التي وجدناها في طريقنا بكل يسر وربما لخبرة السائق دور كبير ، وتمنيت ان يتكبد المسؤولون ذات المشقة حتى يحسوا بما يعانيه مواطنوهم ، صعدنا وهبطنا خلال سيرنا في العديد من الأودية والجبال ومررنا بطرق أشك ان تتحملها الدواب فما بالك بالبشر, ودعوت الله أن يفرج عنهم كربتهم وكربتي تلك في طريق امتد سبع ساعات مررنا فيه بتسع نقاط تحصيل ما بين الفاشر وكبكابية عبارة عن جذوع أشجار مرمية في الطريق في أماكن محددة بدقة لا يستطيع احد تجاوزهم خلالها ما لم يدفع (المعلوم ) ، وعقب ذلك وصلنا لمدينة كبكابية وهي كانت عاصمة دارفور في يوم من الأيام وبدا شكل العمران فيها عادياً ، إلا ان الشيء اللافت للنظر هناك الانتشار الكثيف للسلاح في الطرق والأسواق احيانا بيد أشخاص يرتدون الأزياء العسكرية وفي احيان اخرى يحمله أشخاص بأزياء مدنية ، واللافت ان هناك معسكرًا لقوات اليوناميد عند مدخل كبكابية في منطقة معزولة وبعيدة عن المدينة .
جبل الذهب
تحصلت من جهات مختلفة من بينها (اللجنة الادارية الأهلية لمعدني الجبل ،الشركة السودانية للمعادن،ومصادر اخرى) على المعلومات الأولية عن الجبل والذي يمتد بقطر 90 كيلو متراً ،ويوجد به 12 ألف معدن وكانوا يزيدون عن 110 آلاف معدن قبل أحداث 2013 ،وتوجد به 4 شركات للتعدين ،كما يوجد بالجبل 300 حوض غسيل ،و150 طاحونة ،وما بين 7 الى 8 آلاف بئر للذهب .
في الحلقات القادمة:
حجم اأاجانب الموجودين في الجبل ؟
(….) هذه القوات التي تحمي جبل عامر.!
قصة طلعات عربات اليوناميد المشبوهة في أماكن التعدين .
سر المكالمة التي وردت عن نية متفلتين خطف عربة يستغلها مراسل( الإنتباهة)
المرض الغامض الذي فتك بحياة العشرات من المعدنين .
(…..) ما قاله شيخ موسي هلال لمسؤولي الشركة السودانية للمعادن .
سر المجهولين الذين يموتون في المنجم ولا يعرفهم أحد ؟

الانتباهة

تعليق واحد

  1. لك الشكر يا استاذ لتكبدك مشقة السفر والوصول الي ذلك الجزء الحبيب من ارض الوطن الذي ترعرعنا فيه وعشنا اجمل ايامنا فيه كما شوفنا وسمعنا وعشنا اقسي ايام حياتنا فيه
    فلك الشكر مجددا وان ما عانيته خلال رحلتك وما رايته من فوضي هو روتين حياتنا ابدله الله لنا خيرا منه