المقترح الإفريقي .. تنشيط ملف السلام

وسط المبادرات الكثيرة المفرحة والتي عمت الشارع السوداني الأيام الماضية أولها رفع الحصار المضروب على السودان زهاء عشرين عاماً ,
والثاني قرار عودة الصادق المهدي إمام الأنصار للبلاد وإعلان رغبته العمل من الداخل لإحراز السلام وترحيب الأحزاب به البادرة التي اعتبرها المتابعون بأنها لم تكن الأخيرة من نوعها، لتشتغل الساحة بالإعلان المفاجئ والذي كشفت فيه الحكومة عن مقترح للوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي لعقد لقاء بين الحركات المسلحة وآلية تنفيذ الحوار الوطني، في ذات الوقت الذي طالبت فيه الحكومة الحركات بالموافقة على دخول الإغاثة عبر السودان. وقال أحمد بلال عثمان الناطق الرسمي باسم الحكومة إن أمبيكي يدعو لفتح باب الحوار مباشرة بين لجنة متابعة تنفيذ مخرجات الحوار والحركات المسلحة بغرض تنفيذ خارطة الطريق التي وقع عليها الطرفان، وقد أكدت الحكومة جاهزيتها في أي زمن يتم فيه تحديد موعد اللقاء والجلوس مع الحركات عقب موافقة الأخيرة على المقترح الأمريكي. وأبان بلال أن كافة التداعيات تدل على أن أهل السودان متجهين إلى السلام. وكشف عن موافقة الحكومة على المقترح الأمريكي بشأن الإغاثة، مؤكداً أنه بموافقة الطرف الآخر على المقترح فلن تكون هناك أية عقبة أمام خارطة الطريق. ووصف بلال المقترح بأنه فرصة تاريخية لا يمكن تفويتها . يأتي هذا رغم ان الحركة الشعبية قطاع الشمال قد أقدمت في وقت سابق نحو التحالف مع الأحزاب السياسية المعارضة وعلى رأسها الحزب الشيوعي بغض النظر عن نوعية ذلك التحالف، ولكنه ربما يأتي داعما للخطوة القادمة والتي كشف عنها الاتحاد الإفريقي عبر آليته عقب الضغوطات التي مورست على الحركات المسلحة وبقية الأطراف بغية الدخول في السلام وإنهاء الحرب التي أكلت أخضر السودان ويابسه.
كتلة حراك
وتوقع الكثيرون، المتابعون للقرار الافريقي أن يلقي هذا القرار بكتلة من النشاط والحراك، على هذه الحلقة التي تعتبر العقدة التي تواجه ملف السلام في السودان , بيد أن تحركات كثيرة شهدها ملف التفاوض منذ أن بدأت جولته السابقة والتي تعلقت بسبب التعنتات التي واجهها البند الإنساني. ويضيف د. الأمين الحسن الخبير الاستراتيجي لـ(الإنتباهة) أن ما جرى من ترتيبات يشير إلى أن الحركة الشعبية أصبحت تعي بما لا يدع مجالاً للتشكك في أن إسقاط النظام الحاكم في الخرطوم عن طريق السلاح أمر لا يمكن تحقيقه لجهة أن التداعيات الدولية والإقليمية أثبتت فشل تغيير الحكم بقوة السلاح, في وقت وجد النظام المزيد من الدعم الإيجابي عبر رفع العقوبات الاقتصادية والحصار المضروب عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت ترتكز عليها المعارضة في كل تحركاتها ضد الخرطوم، بجانب أن الشعب السوداني أصبح يعي تماماً أن الأمن هو أحد أساسيات الحياة.. لذلك كله يرى الأمين الحسن أن قطاع الشمال أراد أن ينأى بنفسه عن الاستمرار في محاولة إسقاط النظام عبر السلاح , واتجه قبل عدة أسابيع من الآن، الى التحالف مع الحزب الشيوعي الذي ظل هو الآخر يتصيد الفرص مستغلاً القضايا الاقتصادية والظروف السيئة التي تمر بها البلاد عقب تعويم الجنيه.
ترسانات وتوازن
وأبان الحسن أن الحزب الشيوعي الذي لعب ترسانة دفاعية للمعارضة السودانية من الداخل , بات هو ايضاً بحسب القراءات قاب قوسين أو أدنى من أن يصل ببقية الأحزاب المعارضة التي لانت قواها عقب التشرذم والتقوقع الذي ضرب تحالف نداء السودان بباريس مؤخراً , وزاد أن الحركة الشعبية في فترة ماضية فقدت بوصلتها وتوازنها عقب الهزائم العسكرية التي نالتها قواتها في النيل الأزرق والمنطقتين، خلال عمليات الصيف الحاسم ما جعل العقلاء من الحركة ينادون بضرورة الدخول في مهادنة مع النظام أو الدخول للمفاوضات القادمة لأجل ربما تحقيق ما يحفظ ماء وجههم بالتوقيع على السلام، وذلك لإدراكهم بأن مستقبل السودان لن ترسمه قوة السلاح لأنه لن يحل مشكلة السودان. ولهذا كله يتوقع الأمين الحسن وفقا لحديثه، دخول الحركات المسلحة وقطاع الشمال إلى خارطة الطريق المقترحة بغية تحقيق ما عجزت عن تحقيقه طيلة مسيرة نضالها خاصة وأن الحوار دون هذه الخارطة لن يجد القبول والموافقة من قبل تلك القاعدة العريضة للحركات المسلحة وقطاع الشمال ومن يقف خلفهم.
الخارطة الأنموذج
في الوقت نفسه , يشير الأكاديمي والمحلل السياسي د. السر محمد لـ(الإنتباهة) إلى فحوى الخارطة التي وجدت الموافقة المباشرة من الخرطوم بالرغم من أنها أتت من مصدر يعد مزعج بالنسبة للحكومة السودانية. وزاد السر كان يتوقع الموافقة السريعة والمباشرة على الخارطة من قبل الحركات وقطاع الشمال ولكنه يبدو أن موافقة الحكومة غير المشروطة جعلت الأطراف الأخرى تعمل بمبدأ الحذر جراء ما يعرف بمبدأ المؤامرة. وقال السر حسناً صنعت الآلية الافريقية وهي تتابع هذه الملفات العالقة والتي كادت تصير ميؤوساً منها في أضابير الاتحاد الإفريقي وتذهب بنجاعته وقد فشل في أول مهمة رسمية له تجاه قضية رأي عام داخلي تهم القارة الافريقية ككل, في الوقت الذي تواجه فيه تحديات عظام ربما قللت من أهمية اتحادها وجديته وفاعلية قادتها الذين يواجهون أوضاعاً مهينة في المنابر الدولية بالتعرض المستمر لمحكمة الجزاء الدولي في لاهاي أو المواجهة بتهم ربما تؤدي في نهاية المطاف إلى سجون وعقابات الأحلاف المختلفة (دولياً) كالذي شهدته الساحة السودانية وما زالت تشهده العديد من سوح القارة الافريقية في تعاملاتها مع الدول في القارة الأم . وقال السر إن خارطة الطريق الافريقية بموافقة الحكومة السودانية والمختصة بالسلام في المنطقتين ودارفور تعد الأنجع لجهة أنها تحمل ملامح جادة لمراسم اتفاق إن حسنت النوايا ربما يتم التوصل إليه خلال المنبر القادم في أديس والذي لم يؤخره إلا مسألة الحلول المشتركة التي وقفت في طريقه.
الانتباهة