“إخفاق الإدارة”تقلل الحكومة من أزمة مشتقات البترول ، ما يظهر أن الأوضاع خارج السيطرة والأمر يتجاوز الوقود إلى أزمات أخرى
تستمر الصفوف وسيتواصل تكدس السيارات أمام محطات الوقود حتى نهاية أبريل، تلك هي الحقيقة التي قال بها وزير الدولة بالمالية عبد الرحمن ضرار أمام الصحفيين في البرلمان أمس الأول, لكن ضرار يعود أمس في ذات البرلمان معلناً احتجاجه على توصيف ما يجري في البلاد الآن بالأزمة، بالطبع لا يعدم أحد وزراء القطاع الاقتصادي في الحكومة المبررات التي أدت لحدوث حالة التكدس وهي قلة المواعين التي تملكها الحكومة وخضوع مصفاة الجيلي للصيانة السنوية، وهو ما اضطر الوكلاء لاستلام حصصهم من بورتسودان وهو ما أدى لزيادة الترحيل وبالتالي أدى لزيادة الأسعار ما اضطر بعض الولايات لإعلان تسعيرة جديدة للمواد البترولية مثلما حدث في الجزيرة وسنار لا يغادر ضرار مكانه دون تجديد الإعلان الحكومي بأن لا زيادة في أسعار المحروقات في الوقت الراهن.
1
تؤكد الحكومة أنه لا أزمة في المشتقات البترولية في البلاد، فيما يعكس الواقع صورة مغايرة تماماً تبدو ماثلة في التكدس أمام طلمبات الوقود في العاصمة وفي مدن سودانية أخرى بالطبع كانت ظاهرة عودة الصفوف مدخل آخر من مداخل ممارسة السودانيين للسخرية من الواقع الماثل فوفقاً للطرفة المتداولة، حمل أهالي الأبيض حافظات مياههم ووسائدهم من أجل النوم في طلمبات الوقود، وهو ما يشير بشكل كبير لتفاقم الأزمة في المنطقة التي لم تكن استثناء عن أماكن أخرى بطول البلاد وعرضها، وما حدث في الأبيض تكرر في مدن وولايات دارفور الكبرى في الفاشر وفي نيالا وفي الجنينة، بالطبع فإن مبرر الشح والصفوف في تلك المناطق يعود بشكل رئيس لأزمات الترحيل من بورتسودان وإلى هذه المناطق.
2
ومثل كل الأزمات فإن الأمر يقود بدوره لبروز من يسعون للاغتناء على حساب معاناة الناس، فالأزمة المستفحلة سرعان ما فتحت الأبواب على مصراعيها أمام تجار السوق السوداء، قد لا يبدو الأمر مثيراً للدهشة لو علم القارئ أن جالون الجازولين وصل في مناطق المناقل والدويم إلى أكثر من السعر الرسمي، الأمر الذي جعل وزارة النفط تلوح بإمكانية فرض عقوبات على الوكلاء المتلاعبين بالسلعة، لكنه تلويح لا ينتظر منه الواقفون على حواف انتظارهم خيراً يرجى، فمثل هذه السياسات الخاطئة والإصرار على تكرارها هي الأب الشرعي لكل الأزمات المتراكمة في البلاد، يؤكد المتشائمون أن لا حلول تلوح في الأفق وإنما أزمات تلد المزيد منها.
3
لم يدم الانتظار طويلاً لتتفجر الأزمات المرتبطة بأزمة الوقود، وكانت هذه المرة متعلقة بشكل كبير بتوفر خطوط المواصلات في ولاية الخرطوم، فالشح في الوقود دفع بأحد السائقين للقول بأنهم صاروا يعملون في الخطوط يوماً ويتوقفون في اليوم الآخر في صف الطلمبات من أجل الحصول على حصتهم من الجازولين، بالطبع كانت السيارات التي تعمل بالجازولين هي الأكثر تضرراً، فغياب الحافلات الكبيرة والبصات من المواقف كانت نتيجتها تكدس المواطنين، بينما استغل أصحاب الحافلات الصغيرة هذا التكدس من أجل رفع قيمة الترحيل، وكان ما حدث فرصة مواتية لأن تثبت أسعار الحافلات الصغيرة بين الخرطوم والحاج يوسف ومعظم الخطوط الأمدرمانية في قيمة 10 جنيهات، بينما وصل قيمة التذكرة إلى الثورات لمبلغ 15 جنيهاً في مرة، وأحيانا وصلت تعرفة التذكرة إلى 20 جنيهاً، بينما يبرر أصحاب الحافلات الصغيرة هذا الوضع بأنهم إما يدفعون أسعارا مضاعفة للحصول على وقود من السوق السوداء أو أنهم يقضون سحابة يومهم في انتظار وقود، وهو ما يجعلهم في كل الأحوال يبحثون عن تعويض خسائرهم في نهاية اليوم.
4
لكن هل مترتبات الأزمة ستقف عند حدود الأزمة المتعلقة بالمواصلات في العاصمة القومية أم أن ثمة تبعات أخرى ستحضر في مناطق أخرى، حيث يقول عاملون في حقول الذهب بتوقف الأعمال المتعلقة بالتعدين التقليدي في حقول قبقبة والنورايا والنابع بسبب عدم توفر الجازولين ما أدى لتحول المعدنين إلى عطالة بسبب توقف الآليات، وهي عطالة عليهم الاستمرار فيها أيضاً بسبب عدم توافر وسائل النقل التي بإمكانها إعادتهم للمناطق الحضرية ما يحدث في حقول التنقيب عن الذهب يحدث في مناطق أخرى ويجأر مزارعو القمح بالشمالية من تكبدهم خسائر فادحة بسبب عجزهم عن حصاد محصولهم لهذا العام، لعدم توافر الوقود، وهو ذات ما تكرر مع مزارعي الطماطم في كسلا الذين ينتظرون خسائر أيضاً بسبب عجزهم عن الحصاد في ما يتعلق بمشكلات الزراعة وقد يتكرر مع أصحاب المواشي التي يمكن أن تنفق لعدم توفر المياه والعجز عن نقلها إليهم، ما يحدث يؤكد أن الأزمة قد تتجاوز التأثير الوقتي لتفرز تداعيات سالبة كبيرة في المستقبل القريب.
5
مؤكد أن غياب الجازولين الذي سيستخدم في عمليات الإنتاج وفي عمليات الترحيل من شأنه أن يساهم بشكل كبير في ارتفاع أسعار السلع اليومية، وهو ما يعني ارتفاع الأسعار ويفرغ سؤال وزير الدولة بالمالية من مضمونه حين قال إنه ليس هناك مبرر لارتفاع الأسعار في ظل ثبات سعر الدولار وتراجعه في أوقات كثيرة، لكن المبرر هنا يظهر بشكل واضح مع ارتفاع الجازولين الذي يقول أحد أصحاب المخابز بأن انعدامه أو الحصول عليه بقيمة أعلى من سعره من شأنه أن يؤثر على حجم الخبز وربما على وجوده نفسه، فكيف بإمكاننا العمل دون وقود، لكن قد يكون حجم المخابز التي تستخدم وقودا قليلا مقارنة بالمخابز التي تستخدم الغاز، لكن التأثيرات ستبدو ماثلة في أسعار اللحوم التي تعتمد وبشكل كبير على الجازولين في الترحيل، وفي ظل تلويح بعض أصحاب المركبات بأنهم سيقومون بإيقافها حتى انقشاع الأزمة فإن ثمة مشكلة جديدة تلوح في الأفق الملبد بالأزمات.
6
بالطبع فإن انعدام السلع وعودة الصفوف يعيد التساؤل حول مشروعية الإنقاذ التي بنت منظومتها السياسية على ضرورة معالجة إخفاقات نظام الأحزاب في ثمانينيات القرن الماضي، وقالت في خطاب انطلاقتها أن الهدف الأساسي الذي جاءت من أجله هو تمزيق فواتير الندرة وإبدالها بوفرة في كافة السلع، وبالطبع السعي الحثيث من أجل إنهاء معاناة المواطنين الذين يقضون ليلهم في صفوف الخبز، كان وقتها الجازولين ترفاً لا يحتاجه البعض، وأن يعود الشعب بعد ما يقارب الثلاثين عاماً للانخراط في ذات صفوف الندرة، فإن الأمر يدفع بالمعارضين لمخاطبة الحكومة قائلين ها وقد عادت الصفوف فمن يعيد للجنيه قيمته، ومن يعيد الجنوب وغيرها من الأسئلة التي تصب في سياق نقد السياسات الحكومية، ما يحدث هنا يؤكد على أن الوقود يمثل سلعة سياسية أكثر من كونه صاحب تأثير اقتصادي، فاستمرار الأزمة يعني بالضرورة ازدياد حدة الاحتقان وتفاقم حالة اللا رضا عن الأداء الحكومي، بالطبع فإن توافر الظروف التي أطاحت بالديمقراطية الثالثة من شأنها أن تقوم بأداء ذات الدور مع الحكومة الحالية، والتي بدأت تعي بأن ثمة أشجاراً تتحرك وهو ما جعل خطوات السعي نحو إيجاد الحلول وبسرعة تمضي بوتيرة متسارعة، خصوصاً في ظل حالة من اليقين بأن دورات حياة الحكومات السودانية تبدأ بأزمات البنزين وتنتهي عندها.
الخرطوم – الزين عثمان
اليوم التالي.