منوعات

مسلمو أوروبا في رمضان .. بين صعوبة الصيام وضغط المجتمع

طالبت وزيرة دنماركية المسلمين بأخذ إجازة في رمضان لكي لا يتسببوا في مخاطر على السلامة العامة حسب قولها. وفي ألمانيا طالب أطباء المسلمين بعدم أجبار أطفالهم على الصوم. فما رد المسلمين على ذلك؟

كل عام في رمضان تكون المجتمعات الأوروبية على موعد مع سؤال تزداد أهميته باستمرار: كيف يمكن التوفيق ما بين حرية ممارسة المعتقد وبين الأعراف العامة للمجتمع؟ فقبل رمضان وبالتزامن معه تضج الأوساط السياسية ووسائل الإعلام في أوروبا بتصريحات وبتقارير تتحدث عن تحديات شهر رمضان بالنسبة للصائم وللمجتمعات الأوروبية غير المعتادة تقليدياً على هذا الطقس الإسلامي.

وآخر ما صدر في هذا السياق كانت مطالبة وزيرة الهجرة والاندماج الدنماركية إنغر ستويبرغ بأن يأخذ المسلمون إجازة طيلة شهر الصيام. وعللت الوزيرة ذلك بأن الصيام يؤثر على تركيز الصائم وقدرته على أداء عمله بشكل جيد، مما قد يشكل مخاطر على السلامة العامة في بعض المهن. وكالعادة وجدت هذه المطالبة من يدافع عنها، فيما رأي فيها آخرون تعارضاً مع حرية ممارسة العقيدة.

للوقوف على الرأي بعض المفكرين المسلمين حول مسألة التغيب عن العمل في أوقات الصيام أجرت DW عربية حواراً مع الدكتور محمد حبش، أستاذ الدراسات الإسلامية في كلية الحقوق في جامعة أبو ظبي. وبرأي حبش التغيب عن العمل في رمضان “غير مشروع إلا في العشر الأخير من الشهر حيث يحق للمسلم أن يعتكف وينقطع للتعبد إن شاء”. ولكن الانقطاع عن العمل مخالف للسنة، فرمضان شهر عطاء وليس شهر كسل حسب قوله.

أما الطبيبة البرلينية مها عبد الوهاب فقالت في حديث مع DW عربية إن للامتناع عن الأكل والشرب لفترة طويلة تأثيراً على التركيز والنشاط لدى الصائم. وأضافت أن العديد من زملائها الجراحين مثلاً يمتنعون عن الصيام في الأيام التي يكونون فيها على موعد مع عملية جراحية تتطلب الكثير من الدقة والتركيز، وقالت “من غير المعقول أن نعرض حياة شخص آخر للخطر حتى نصوم”.

تصريحات الوزيرة الدنماركية جاءت بعد أيام من صدور بيان لاتحاد أطباء الأطفال واليافعين في ألمانيا ناشد المسلمين بأن يحرصوا على أن يتناول أطفالهم الطعام والشراب أثناء النهار لما لذلك من أهمية على صحة ونمو الطفل، ولما لذلك من تأثير على أدائهم في المدرسة. المناشدة توجهت أيضاً إلى المجلس الأعلى للمسلمين، ليتخذ موقفاً واضحاً تجاه مسألة صوم الأطفال.

وفي حديث مع DW عربية أبدى عبد الصمد اليزيدي، الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، تفهماً لمناشدات الأطباء الألمان وقال: “بالإمكان أن نشجع الأطفال على الصيام، ولكن بدون مبالغة، كأن يصوم الطفل ساعة في اليوم أو ساعتين”. وأكد اليزيدي على أن المجلس الأعلى للمسلمين يتفق مع هذه التوصية ويوصي بها في المساجد. هذا الكلام يتوافق مع الرأي الشرعي الذي حصلت عليه DW عربية من الدكتور محمد حبش حيث قال: “إجبار الطفل على الصيام ممنوع شرعاً وقد يصل إلى رتبة الحرام”. ولكن، وإن كانت الطفولة بحسب المفهوم الأوروبي تنتهي ببلوغ سن الرشد، فمتى تنتهي بالنسبة للشرع الإسلامي ليصبح الصوم فرضاً؟.

يبلغ عدد ساعات الصيام في أغلب مدن ألمانيا حوالي 18 ساعة، ويزداد العدد في الدول الاسكندنافية.

“المطلوب هو اجتهاد الفقهاء المسلمين في أوروبا”

يقول الدكتور محمد حبش بأنه حسب المذاهب الشرعية يتوجب على المسلم أن يصوم اعتباراً من سن الخامسة عشرة. بيد أنه يربط ذلك بقدرة الإنسان على الصوم. وهو رأي اتقفت معه الطبيبة البرلينية مها عبد الوهاب، التي قالت إن الأطفال لا يجوز أن يصوموا قبل سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة.

وتضيف الطبيبة عبد الوهاب أنه “من الطبيعي أن تظهر على الأطفال وعلى الكبار أيضاً علامات التعب والإرهاق بسبب الامتناع عن الأكل والشرب لفترة طويلة، ولكن هذا جزء لا يتجزأ من الصيام”، الذي تعتبره عبد الوهاب “نوعاً من قهر الجسد لأجل تقوية النفس” حسب قولها.

أما بالنسبة للمدراس وأرباب العمل في أوروبا يبقى الأهم هو الحفاظ على المستوى المطلوب من الأداء الدراسي أو المهني لدى المسلمين بغض النظر عن مسألة صيامهم من عدمها. وبرأي الدكتور محمد حبش فإن هذا يتطلب اجتهاداً من الفقهاء في أوروبا لينظموا أوقات الصوم بما يوازي الدول المحيطة بحزام مكة حتى لا تتجاوز مدة الصوم اثنتي عشرة ساعة، ولا يتحول الصيام إلى عمل شاق يفوق قدرة الإنسان على التحمل.

dw