مارادونا .. مشاغب و”بذيء”.. صنع أسطورة من بدايات متواضعة
اللاعب الأكثر إثارة للجدل في تاريخ كرة القدم بسبب سلوكياته التي تفوق بها على الأسطورة الإنجليزية جورج بيست.
يزاحم نجم البرازيل بيليه على لقب أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم، وربما يتقدمه قليلا، وهي، على أية حال، قصة يطول الحديث حولها.
عدو الصحافة الرياضية اللدود بالأرجنتين والعالم.
لاعب خط الوسط قصير القامة والذي لا يخاف شيئا، بقدرته على خلق فرص لتسجيل أهداف لنفسه وللآخرين.
اكتشف دييغو مارادونا، المولود في عام 1960 جنوب بوينس آيرس العاصمة الأرجنتينية لعائلة فقيرة، موهبته الكروية في سن العاشرة، عندما كان يلعب مع نادي “إستريلا روجا” قبل المرحلة الاحترافية مع نادي “أرجنتينوس جونيورز” بين عامي 1974 و1977، ومن ثم كمحترف في نفس النادي حتى عام 1981.
انتقل بعد ذلك إلى نادي “بوكا جونيورز” مواصلا معه موسم عام 1981، بالإضافة إلى تحقيقه أول لقب مع الفريق في الموسم التالي عام 1982. لعب أول مبارياته مع منتخب الأرجنتين لكرة القدم عندما كان عمره 16 عاما، ضد منتخب المجر.
وعندما أصبح عمره 18 عاما، مثل بلاده في بطولة العالم لكرة القدم للشباب، حين كان نجم البطولة، وفاز بالبطولة بعد هزيمته منتخب الاتحاد السوفياتي بنتيجة 3 – 1 في النهائي.
شارك مارادونا في أول بطولة لكأس العالم عام 1982، وفي نفس العام انتقل إلى نادي “برشلونة” الإسباني، وكانت صفقة انتقاله قياسية في ذلك الوقت ب 5 ملايين جنيه استرليني، وفاز مارادونا مع “برشلونة” ببطولة كأس إسبانيا بعد هزيمة “ريال مدريد”.
عاش مارادونا فترة صعبة في “برشلونة” فقد بدأت مرحلة الأمراض والإصابات. وإصابته النوبة الأولى من التهاب الكبد، ثم بكسر في الكاحل الناجم عن احتكاكه والعرقلة من قبل الإسباني أندوني غويكيوتكسيا وكادت أن تنهي مسيرة مارادونا الكروية في “برشلونة”.
تواصلت خلافات ونزاعات مارادونا المتكررة مع مديري الفريق، وخصوصا رئيس النادي ، وبلغت ذروتها بانتقالها في عام 1984 خارج “كامب نو”، ولم تتوقف الصراعات الثنائية إلا بعد انتقاله إلى نادي “نابولي” في الدوري الإيطالي مع رقم قياسي جديد ب 6.9 مليون جنيه استرليني.
في “نابولي”، وصل مارادونا إلى أوج عطائه ومجده الكروي، وسرعان ما أصبح النجم المعشوق بين جماهير النادي الذي عاش عصره الأكثر نجاحا في تاريخه.
حيث فاز “نابولي”، بالدوري الإيطالي موسمي 1987 و 1990، وكأس إيطاليا عام 1987، وكأس الاتحاد الأوروبي عام 1989 وكأس السوبر الإيطالي عام 1990. كما كان الفريق وصيفا للدوري الإيطالي مرتين، في 1988و 1989.
مع المرحلة الذهبية في حياة مارادونا التي قضاها في إيطاليا، زادت مشاكل مارادونا الشخصية، وواصل استخدامه “الكوكايين”، وفرضت عليه غرامة في الولايات المتحدة، وواجه فضيحة أخرى في إيطاليا لعلاقته بامرأة وابنا غير شرعي اعترف به قبل عامين تقريبا. وكان أيضا هدفا للشكوك حول اتهامات مزعومة بعلاقاته مع عصابة “مافيا كامورا”.
لعب مارادونا في أربع بطولات كأس العالم، بما في ذلك بطولة المكسيك عام 1986، حيث قاد الأرجنتين بالفوز على ألمانيا الغربية في المباراة النهائية.
وفي نفس البطولة في جولة الربع النهائي، سجل هدفين في المباراة التي جمعت منتخب بلاده مع إنجلترا والتي انتهت بالفوز على المنتخب الإنجليزي بنتيجة 2-1 وهما الهدفان اللذان دخلا تاريخ كرة القدم، لسببين مختلفين، الأول كان عن طريق لمسه بيده الكرة التي قال أنها “يد الإلـه”، لكنه ما لبث 2005 أن اعترف في برنامج تلفزيوني أنه ضرب الكرة بيده عمدا، وأنه لا يعرف أن الهدف “غير شرعي”.
وبعد 25 عاما من هذه الواقعة طالب الحارس الإنجليزي بيتر شيلتون من مارادونا الاعتذار عما بدر منه، ولكنه أبى أن يفعل لأنه قال أن هذه كانت “هدية من الله ولم أفعل شيئا يدعو للاعتذار منه”.
في حين أن الهدف الثاني سجل من مسافة 60 م (66 ياردة) راوغ بها لاعبي منتخب إنجلترا الستة، واختير ذلك الهدف بوصفه هدف القرن العشرين، وجرت المباراة على وقع “حرب الفوكلاند” بين الأرجنتين وبريطانيا وكانت السياسة الحاضر الغائب في المباراة.
ما لبث مارادونا أن عاد لدائرة الضوء ومركز الإشاعات والوقائع بعد توقيفه لمدة 15 شهرا في عام 1991 بعد ثبوت تعاطيه مخدرات “الكوكايين” في إيطاليا، وأعيد إلى بلاده من كأس العالم عام 1994 في الولايات المتحدة بعد ثبوت تعاطيه مادة “الايفيدرين”.
مما أدى إلى إنهاء مسيرته الدولية، التي دامت 17 عاما وأسفرت عن 34 هدفا من 91 مباراة. بعد تقاعده من اللعب زاد وزنه بشكل مرضي، وعانى من اعتلال صحته، والآثار المترتبة على تعاطي “الكوكايين”.
لكنه تغلب قليلا على مشكلة الوزن في عام 2005، بإجراء عملية في المعدة للسيطرة على زيادة وزنه، كما تغلب على إدمانه “للكوكايين”.
ولم تسعفه قلة خبرته الإدارية، حين أصبح مدربا لمنتخب الأرجنتين في عام 2008، بعقد عمل لمدة ثمانية عشر شهرا، عندما تبخر حلمه بالخسارة المدوية من المنتخب الألماني برباعية نظيفة أخرجت فريقه من دور الثمانية من بطولة كأس العالم عام 2010.
تعاقد لتدريب نادى “الوصل” الإماراتي في 2011 ووصل معه لنهائي الأندية الخليجية وتحقيق المركز الثاني قبل أن يقيله في 2012 وتعيين الفرنسي برونو ميتسو، كما درب عدة فرق صغيرة متناثرة هنا أو هناك.
مارادونا، السمين والمشاغب والمتهور والفنان الذي كان يخطف الإعجاب، والمعرض في كل لحظة لانهيار حالته الصحية، لا يزال يخطف الأضواء واهتمام الصحفيين ومصورو المشاهير أو “باباراتزي”، وفي كأس العالم الحالية له قصة في كل مباراة يلعبها منتخب الأرجنتين الذي يبدو كما لو كان فريقا يبحث عن هويته .
تقارير صحفية كشفت أن الأسطورة مارادونا نقل إلى المستشفى عقب فوز الأرجنتين على نيجيريا بهدفين لهدف في ختام مباريات المجموعة الرابعة ضمن بطولة كأس العالم 2018 المقامة حاليا في روسيا.
وحسب الأنباء فإن مارادونا انهار داخل مقعده في الملعب عقب انتهاء المباراة. ليتدخل بعض الأطباء الروس لمساعدته ثم نقله لمستشفى محلي خلال وقت قصير.
وكان مارادونا قد احتفل بالهدف الثاني لمنتخب ” التانغو” في شباك نيجيريا بطريقة مشينة، كما أبدى “الفيفا” استغربه من تدخين مارادونا في المنصة التي كان يجلس فيها لمتابعة المباريات.
وعلى الرغم من خيبات الأمل التي تعرض لها محبيه من كثرة نزواته وهفواته، بقى مارادونا محبوبا في الأرجنتين بكونه الابن المحلي الذي خرج من الفقر ومن بدايات متواضعة للوصول إلى قمة النجومية على المنصة الدولية.
لا يزال مارادونا وبيله يحافظان على مركزهما في قائمة أساطير كرة القدم، حتى بوجود ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، ولا يزال مارادونا حديث الناس وفاكهة مجالسهم رغم ابتعاده عن اللعب والتدريب لسنوات طويلة تكفي لكي تطمس سيرة أي عبقري أو فنان في مجاله وملعبه.
وكأن مارادونا لا يزال يراوغ لاعبي الخصم حتى اللحظة.
عربي 21