هيثم صديق

العطش في الخرطوم على مسؤولية صاحبه

وبلاد مابين النهرين يهرد العطش كبدتها
هل يصدق أحد في الدنيا أن بلاداً مثل الخرطوم كمثال يقترن عندها نهران وتباع المياه فيها بالبراميل على ظهر الحمير
وأن قيمة الخدمة تؤخذ مقدماً؟
أم هل صحيح أن سبب ندرتها هو غياب التيار الكهربائي معظم الوقت حتى وصل الأمر بالناس إلى القلق لو تأخر قطع التيار خمس دقائق عن موعده ويظنون أن قاطع الأنوار قد دقس وكانت الدقسة قديماً في الأغاني
شفت شباب في حفلة
قلنا رضوان جاتو دقسة
كناية عن الحور
أو
عطشان قلت ليهن وصحت البلفة
وبلف سد النهضة يؤرق ما تبقى من عيوننا الشاربة السهر
أو ربما أخرجت هاتفك لتخبر ناس البيت أن يعوسوا لأن الخبز مثل الغول والعنقاء والخل الوفي صفه تجارياً مثل صف العربات في الوقود أو الأسطوانات عند الوكيل. والخبز ذاته هبطرش بعشرين جنيهاً لأن أصحاب المخابز يا داقسين ما داقسين يبيعونه خارج الفرن بعشرين جنيهاً ويقتسمون الخمسة جنيهات مع السريحة والجائلين
والعطش الذي يلهث بالناس يخوفهم برمضان الذي ربما تتحالف عليه الندرة فيصومه الناس كله صباحه والمساء
وتلفونك الذي كنت تتصل به طالباً للعواسة اختطفه موتر وموتور ولئن نجوت من الساطور كرامة
هذه هي الخرطوم المتسخة حد القرف الشاحبة مخطوفة اللون حامل بالحركات والجيوش في شهرها التاسع.
هل من نسمة تطمين يمكن أن تبدد هذه الكتمة؟
لا نظن.
هذه هي الفترة الانتقالية تتلهى بأحلام اليقظة وتنوم عن مهامها الأولى الضامنة لاستمرارها
محاربة الغلاء…توفير الأكل…الشرب ..الغاز..الجاز قبل محاكمة انقلاب الإنقاذ.

صحيفة اليوم التالي