المصانع المتوقفة .. بئر معطلة وقصر مشيد
الخرطوم: رشا التوم
توقف عدد كبير من المصانع عن العمل لأسباب مختلفة منها الخاص المتعلق بأصحاب تلك المصانع ومنها العام بشأن الرسوم والضرائب الحكومية المفروضة عليها والتي أقعدت تلك المصانع عن القيام بدورها المنوط بها وأرهقت القطاع وعملت على تراجع الأداء والنشاط الاقتصادي.
وفي حوار أجرته الصيحة قال وزير الصناعة إبراهيم الشيخ إن هناك مصانع متوقفة واخرى في طريقها للتوقف مشيرًا الى أن وزارته حملت مسئولية التوقف ولكن لم يصل أحد الى حقيقة تلك المصانع وأسباب توقفها وليس للوزارة يد لإعادة تشغيلها.
ورغم حديث الوزير ما تزال المصانع تواجه واقعاً مؤلماً ومستقبلاً قاتماً، ويؤكد عدد من أصحاب المصانع أن أحد اهم أسباب التوقف عن العمل الضرائب والرسوم المتعددة التي أثقلت كاهلهم مما دعاهم الى الاحجام عن تجديد رخص التشغيل مرة أخرى.
وفي ورشة تم عقدها خلال شهر رمضان الماضي عن الصناعات التحويلية كشفت دراسة تحليلية أعدها الخبير الصناعي د. مصطفى محمد محمد صالح عن توقف ٢٤% من المنشآت الصناعية بولاية الخرطوم و٧٦%عاملة من إجمالي ٣ألف و١١٠ألف منشأة صناعية مبيناً توقف (٢٦.٩٨%) من انشطة قطاع الغزل والنسيج و(٢٠.٩٤%)من قطاع الكيماويات و(١٨.٧٩%) من قطاع المدابغ والمنتجات الجلدية و(٣١.٦١%)من المنتجات الورقية والطباعة والنشر و(٢٦،١٥%)من مواد البناء والتشييد و(٢٨.٣٨%) من المواد الغذائية.
وأشارت الدراسة إلى مواجهة قطاع الصناعات التحويلية عدة تحديات تقف أمام تطوره في ظل غياب المعلومات والإحصاءات وأنواع ومسميات القوانين الاتحادية.
ونبه د. مصطفى الى التداخل والتشابك بين التحديات التي تؤثر على القطاع الصناعي في ظل عدم ثبات السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية وعدم توفر الطاقة الكهربائية الكافية والقطوعات المبرمجة وغير المبرمجة وتذبذب التيار الكهربائي، وانخفاض سعر العملة الوطنية والارتفاع الكبير في معدلات التضخم مع صعوبة الحصول على التمويل التشغيلي والرأسمالي وارتفاع تكلفته وعدم وجود إدارات متخصصة بالمناطق الصناعية وانعدام الإشراف الحكومي عليها علاوة على عدم توفر الخدمات وضعف البنية التحتية.
وقال إن بعض المناطق الصناعية تحولت الى (حديد وخرد) بجانب انعدام الرقابة وقاعدة بيانات حديثة، إلى جانب عدم وجود أولويات للاستثمار في القطاع الصناعي تتناسب مع إمكانيات البلاد الاقتصادية.
منوهاً إلى تحدي المنافسة الخارجية وإغراق السوق المحلي بالمنتجات المستوردة المماثلة للإنتاج المحلي إلى جانب تعدد الرسوم الولائية والاتحادية والمحلية دون تنسيق.
وانتقد الضرائب غير المباشرة والتي تفرض على المنشآت الصناعية والتي ليست لها علاقة بتكاليف النشاط الصناعي ووصفها بالعمياء والظالمة.
وقال إن الرسوم تؤثر سلباً على حجم رأس المال التشغيلي وتسبب تصاعد أسعار المنتجات في ظل عدم توفر الموارد المالية، وعاب على الدولة أن تلجأ الى القطاع الصناعي بوصفه إيراديًا.
وأوضح خلال عرضه دراسة تحليلية لتحديد وقياس أثر الضرائب والرسوم المفروضة على قطاع الصناعات التحويلية في السودان أوضح أن الزيادات المتصاعدة للضرائب والرسوم في ظل غياب الفلسفة الاقتصادية يؤدي الى تباطؤ الإنتاج الصناعي وتهدد قدرة المصانع على البقاء والاستمرار وتؤثر سلباً على تدفقات الموارد المالية للخزينة العامة للدولة، وأوصى بضرورة استكمال البناء التشريعي للقوانين ذات الصيغة الاقتصادية وإعادة النظر في كافة التشريعات الولائية ذات الصيغة الاقتصادية وربطها مع منظومة البناء التشريعي والاقتصادي الاتحادي مع إعادة النظر في قانون ضريبة الإنتاج مع ضرورة وجود سياسات صناعية بالموازنات العامة لتفادي الآثار السالبة على القطاع.
وتساءل عن ما هي الأسباب والدواعي لفرض ضريبة على ضريبة القيمة المضافة، والتي تضعف رأس المال التشغيلي للمصانع ـ على حد قوله.
وأضاف: ما زلنا نتعامل مع مشكلات القطاع الصناعي بأسلوب (الغتغته)، لذا لن تمضي الصناعة قدمًا .
وقال: في ظل الاضطراب الحاصل لن نستطيع التحدث عن خطط وبرامج للقطاع.
ولفت إلى مواجهة مشكلات تتعلق بالوقود والجازولين والفيرنس والكهرباء مما يشكل ضغطا كبيراً على تكلفة الإنتاج.
وأمن على أن تعدد الرسوم والضرائب أضعف القدرة التنافسية للمنتجات المحلية.
وطالب الجهات ذات الصلة بوضع خارطة طريق للنهوض بالقطاع الصناعي.
من ناحيتها أكدت مدير الإدارة العامة للموارد المالية والبشرية بوزراة الصناعة فاطمة حسن حسين، أن الصناعة تمثل أحد أهم الأنشطة الاقتصادية التي تحقق أهداف التنمية الشاملة وتعتبر رأس الرمح للاستغلال الأمثل للموارد الزراعية والصناعية، وتسهم في رفع الدخول.
وأشارت في حديثها إلى أن ارتفاع تكلفة الإنتاج يحجم من منافسة المنتج المحلي للمستورد.
ودعت إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة لإحلال الواردات وزيادة الصادرات وإزالة كافة الرسوم والجبايات التي تكبل الصناعة تمهيدًا للانضمام لمنظمة التجارة العالمية.
وفي السياق نفسه، شكا المدير التنفيذي لاتحاد الغرف الصناعية بروفيسور أحمد عبيد من تعدد الرسوم والجبايات المفروضة على القطاع الصناعي والتي بلغت 46 رسماً وجباية تدفع مقابل كل منتج من المصانع المحلية .
وحذر من زيادة عدد المصانع المتوقفة عن العمل لتتجاوز نسبة 24% من المصانع المسجلة هذا العام لرفض أصحاب المصانع تجديد عضويتهم بسبب الرسوم والجبايات، وانتقد التعريفة الصفرية لدول الكوميسا والتي تعمل على إغراق الأسواق بالسلع المستوردة، وقال إن أسعارها أقل من المنتج المحلي مما يشكل تهديدا كبيراً للصناعة السودانية .
وأشار إلى أن أصحاب المصانع يشكون من أسلوب التعامل معهم كمجرمين، ودعا الى توحيد الرسوم وإقرار تشريعات موحدة لتقليل الإجراءات.
وأجمع عدد من أصحاب المصانع في شكواهم من تعدد الرسوم والإجراءات ودعوا الى إحداث تغيير حقيقي في قانون الاستثمار ووضع الصناعة في سلم أولويات الحكومة وإزالة كافة الموانع لجذب الاستثمار والمستثمرين وتفعيل الإعفاءات الجمركية والضريبية للآليات والمدخلات الصناعية .
صحيفة الصيحة
ان تكدس معظم المصانع ومرافق التعليم العالي داخل العاصمة لعب دورا اساسيا لتكدس ربع سكان البلاد داخل العاصمة مما شكل ضغطا وازدحاما وشح في الخدمات وتشوه في الاقتصاد وفقر وضعف في الانتاج . وهناك اسباب اخرى للهجرة تعتبر مؤقتة واقل تاثيرا في نزوح السكان الى العاصمة مثل الحرب (لانها في اقاليم معينة وليست في كل البلاد وتنتهي بانتهاء مسبباتها) وكذلك مثل البحث عن خدمات التعليم والصحة . لكن تكدس المصانع والتعليم العالي داخل العاصمة يجذب السكان بصورة مستمرة من كل اقاليم السودان للبحث عن العمل وخمات التعليم وهي بذلك تتسبب في هجرة السكان من الولايات الى العاصمة بما فيه من هجر للانتاج الزراعي والحيواني والتحول لممارسة المهن الهامشية والطفيلية والمهن الاقل فائدة للبلاد مثل التكدس حول مهنة التجارة والسمسرة . وهذا التكدس داخل العاصمة سبب اساسي في انهيار اقتصاد البلاد وضعف الانتاج . علما بان الزراعة والانتاج الحيواني هي عماد اقتصادنا وهي الموفر الرئيسي للمواد الخام للصناعة فلا صناعة بدون مواد خام . ولا اقتصاد في بلادنا بدون انتاج زراعي وحيواني . ولا معنى بان تقام مصانع الزيوت او النسيج او مسالخ التصدير او غيرها من المصانع التي تعتمد في خاماتها على المنتجات الزراعية او الحيوانية او المعدنية داخل العاصمة ولا تقوم في الابيض والقضارف ونيالا وعطبرة ودنقلا وجميع ولايات البلاد . وحتى المصانع التي تعتمد على خامات مستوردة يجب ان تكون خارج العاصمة في الولايات القريبة من الميناء لان شبكة الطرق والكهرباء والخدمات الضرورية اصبحت متوفرة في كل الولايات . نقل الصناعة والتعليم العالي خارج العاصمة وتوزيعها بتناسب بين الولايات يوقف الهجرة الى العاصمة ويصنع هجرة عكسية الى الولايات لانه ينعش اقتصادياتها مما يؤدي الى تنمية متوازنة في كل الولايات ويدفع بالانتاج الزراعي والحيواني الى الامام ويوفر له ايدي عاملة متعلمة ويوفر له رؤس اموال يدخل معظمها دائرة الانتاج الزراعي والحيواني فتتوجه بذلك طاقات البلاد كلها وبكل تركيبتها السكانية وولاياتها لجر قاطرة الاقتصاد والتطور . ومن يمعن النظر في الدول المتقدمة وامريكا فكل صناعاتهم خارج العاصمة وكل جامعاتهم الا القليل منها خارج العاصمة اما العاصمة فهي مكان اداري فقط لاجهزة الدولة لا يجب ان تتكدس فيها المنشات . والاعتماد على العاصمة وحدها يضر ببلادنا لا اليد الواحدة لن تصفق . ولن يستطيع فريق كرة قدم ان يحرز فوزا بالاعتماد على لاعب واحد . هذه القاعدة الاستراتيجية في التخطيط لبلادتا حاضرا ومستقبلا لا يجب ان تغيب عن نظر اي وزير في اي حكومة كانت ومع تعاقب وزرائها . وقصر النظر في التخطيط يتجاهل العوامل الهامة التي تؤثر في قدرات البلاد وتطورها وازدهارها الكلي في الحاضر والمستقبل يدخل بلادنا دوما في المطبات والانهيارات والفقر والضعف العام ويدخلها في مستقبل مظلم .