هيثم صديق

أطعني حقنة


[JUSTIFY]
أطعني حقنة

لما خرجت موضة الفساتين والبلوزات التي بلا أكمام أطلق عليها الشارع اسم (أطعني حقنة) وفي ذلك سخرية لا مثيل لها، فلا يشمرن أحد كذلك إلا ليستقبل حقنة أو يلبس حجابا أو (يدرع) سكينا..
(أطعني حقنة) كانت ولدا شرعية للأغاني الهابطة مثل (اضربني بمسدسك واملاني انا رصاص) وما بين الأمرين المرين في الموضتين غناءً وملبساً، كان يكمن السودان الحديث المشوه والمتداعي والمترنح كفتاة الريف التي حكى عنها أستاذنا حسين خوجلي يوما لما أسكنوها المدينة.. لا بتعرف تعمل المحشي وعافت (القاشيت) والأخيرة لغير الناطقين بها حاجة كده للتحلية مثل أم علي.. أم علي التي ولولت لما نقل ابنها علي إلى المستشفى لما أصابته جلطة.. كتبوا له حقنتين. أم علي وأخوان علي وأقارب علي جروا علي الصيدليات.. ارتفعت اليهم (النظارات) وأومأت بالنفي.. حفيت الأقدام وهم يساسقون من أجزخانة لأجزخانة وأم علي الصبر خانها.. حتى وجدا من دلهما على الحقنتين..
أم علي ولولت زيادة لما كان ثمن الحقنة الواحدة باثنين مليون ونصف (بالقديم) كان أمام أم علي وإخوة علي وأقارب علي أن يأتوا بخمسة آلاف (بالجديد) وكانوا أمس قد استدانوا ثمن الكهرباء..
ولا تزال أم علي تبكي حتى جاء مثل الراعي صاحب النعجة رجل صاحب نجدة…. الرجل أخذ الروشتة وأرسلها للسعودية.. وجاءته الحقنتان بخمسمائة ريال لا غير.. أي بألف جنيه بالجديد ومليون بالقديم، ليكون ما يربحه من يستوردها أربعة ملايين بالقديم وأربعة آلاف بالجديد.. ولا نزال نكتب القديم والجديد حتى يرتد إلينا سودان الحاضر الذي أضاعه الجشع وأودى به الفساد..
لذلك كان الراعي الأمين أسطورة لما أصبح الكل (ماسورة) بمعنى الشارع الساخر الذي أطلق على كم العراة (أديني حقنة)..
القصة حقيقية وضحيتها ـ لا بطلها ـ يرقد الآن في مستشفى (الشعب) في العناية الوسيطة لولا (الواسطة) لصوتت أمه تعدد مناقبه ولما صوتت في انتخابات قادمة لنواب يسافرون لعلاج الفليتة في الخارج.. برلمانات ومجالس تشريعية..
كيف يستوطن العلاج في الداخل اذا كانت الحقن المنقذة للحياة بندرة الحياء؟
كيف يستوطن العلاج بالداخل وثمن الإبرة يجعل الفقراء عبرة؟
رضي الناس بطبيب مزيف ومعامل فشنك ومستشفيات كناتين لكنهم لا يستحقون أن يدفعوا أموالهم ثمنا لدواء بحفنة جنيهات.. مش كفاية انهم يدفعون حياتهم.
……………………
قالوا عيانة وقول يا لطيف
وعليك الله يا الدكتور بتطعنا كيف
….
مش لما يلقوا الحقنة الأول؟!!

[/JUSTIFY]

هتش – صحيفة اليوم التالي