سياسية

يوميات الجوع والخوف في السودان تحت زخات الرصاص

أصبح خروج المواطن السوداني للحصول على احتياجاته المعيشية محفوفاً بمخاطر هائلة تهدّد حياته، ورغم ذلك بات السودانيون مضطرين إلى مواصلة السعي تحت زخات الرصاص من أجل توفير السلع الضرورية وخاصة بعد نفاد المخزونات التي كانت لديهم في البيوت.
وأصبح السودانيون مخيرين في كثير من الأحيان بين الموت جوعاً أو قتلاً في ظل اندلاع حرب دموية لم يختاروها بين الجيش وقوات الدعم السريع وأصبحوا مجبرين على التعايش معها.
وتعيش الأسر في العاصمة السودانية الخرطوم وأطرافها أوضاعا إنسانية قاسية ومأساوية بسبب استمرار الحرب العبثية الدائرة بين الطرفين المتصارعين، والتي تسببت في انقطاع المياه بمنطقة الخرطوم بحري منذ أكثر من 4 أسابيع. ويأتي ذلك، في ظل انعدام الغذاء والسيولة بأيدي المواطنين.
وفي هذا السياق، روت المواطنة أم سلمة محمود والتي تسكن بمدينة الحلفايا شمال بحري لـ”العربي الجديد” صعوبة الأوضاع المعيشية لأسرتها المكونة من 6 أفراد منذ اندلاع الحرب الفجائية.
وقالت إن المخزون من الأغذية (طحين وأرز وعدس وسكر وزيت طعام) الذي وفرته أسرتها على وشك النفاد ويكفي بالكاد 3 أيام فقط، موضحة أن زوجها صار بلا عمل ولا يملك المال لشراء مستلزماتهم الضرورية من المحال التجارية.

وأشارت المواطنة السودانية إلى أن استمرار الحرب يهدد أسرتها والكثير من الأسر السودانية بالتعرض لخطر المجاعة والمرض بسبب نقص الغذاء وانعدام الدواء.
وكان للمعاناة وجه آخر لدى أسرة السيدة أم كلثوم العطا التي تسكن جنوب شمالي الخرطوم بحري والتي قالت لـ”العربي الجديد” وهي تبكي إن الحرب قضت على الكشك الصغير بسوق بحري والذي منحته لها المحلية لتسترزق منه لكونها أرملة وتعول أسرة معظمها في أعمار صغيرة، مشيرة لنهب بضاعتها بالكامل أولا ثم تم حرق الكشك بعد ذلك.
ولفتت إلى فقدانها مصدر رزق أبنائها ولا تعلم كيف ستنفق عليهم ومن أين؟ مبينة أن لديها بعض الطحين تقوم عبره بصنع وجبات غذائية غير مشبعة لصغارها لتوفير جزء منه للأيام المقبلة.
وقالت إن النقود التي بحوزتها لا تكفي لشراء لحوم وخضروات وفواكه لأبنائها، لافتة إلى تكاتف الأسر السودانية والأهل والجيران معها خاصة في توفير مياه الشرب والتي يتم استجلابها من البحر منذ بدء الحرب بسبب سيطرة قوات الدعم السريع على محطة المياه الرئيسة ببحري وإغلاقها لمنع وصول المياه للمواطنين، داعية للإسراع في إنهاء الحرب وتعويض المتضررين منها.
ومن جانبه، شرح المواطن عزالدين الضو لـ”العربي الجديد” حجم الضرر النفسي والمادي والمعنوي الذي سببته الحرب للأسر السودانية.
وقال إنه يشعر بالعجز وضيق ذات اليد لعدم قدرته على شراء الغذاء واحتياجات أطفاله لبقائه بالمنزل بلا عمل بسبب الحرب وتوقف الرواتب، وفي حالة الخروج للحصول على احتياجاته تواجهه تهديدات أمنية بسبب انفلات الأوضاع.
وأكد أن “الوضع المعيشي والإنساني والغذائي يزداد سوءا يوما بعد يوم لتمسك كل طرف من الأطراف المتحاربة بعدم إيقاف الحرب إلا بعد القضاء على الآخر دون اعتبار للشعب المسكين الذي لا حول له ولا قوة”.
وأشار الموظف عبد الغني منصور لـ”العربي الجديد” إلى أن الحرب اندلعت قبل تسليم العاملين بالدولة رواتب شهر إبريل/ نيسان، ما زاد من تأزم الوضع لدى الأسر التي يعتمد عائلوها على الراتب الشهري، لافتا إلى أن الكثير من التجار بالأحياء الطرفية نفذوا زيادات غير منطقية على السلع الضرورية حيث قفز سعر كيلو السكر مثلا من 700 إلى 1500 جنيه سوداني (2.5 دولار أميركي) وزادت تعرفة المواصلات والنقل العام بنسبة 500 % بسبب مشكلة توفير الوقود وارتفاع أسعارها، ولا يوجد مصدر دخل للإنفاق منه.

وقال إنه لم يتمكن من الاقتراض من رفقائه لكونهم يعيشون ظروفا إنسانية مماثلة. ورصدت “العربي الجديد” توقف عدد من المخابز عن العمل لأسباب عزاها أصحاب المخابز لنقص الطحين وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة خلال اليوم وارتفاع تكلفة الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية، وعدم توفر العمالة والذين سافر أغلبها لولاياتهم فرارا من الحرب الدائرة في الخرطوم.
وحث الأمين العام السابق لشعبة المخابز الباقر عبد الرحمن إبراهيم، أصحاب المخابز العاملة بالخرطوم وأم درمان وبحري على الاستمرار في الإنتاج حتى وإن تعرضوا للمخاطر من أجل توفير الخبز ولو وجبة واحدة في اليوم للمواطنين، لحل مشاكل ندرة الغذاء.
ودعا إبراهيم شركات المطاحن للاقتداء بنهج مطاحن روتانا والتي تستمر في إمداد المخابز بالطحين عبر وكلائها دون توقف لسد الفجوة التي خلفها توقف بعض شركات المطاحن بسبب تعرضها لتلف جزئي كمطاحن السيد وسين وسيقا.
وطالب الباقر المواطنين بالحفاظ على هذه المنشآت وتشكيل لجان حماية لمطاحن الطحين والمخابز العاملة من النهب والتخريب حتى لا يتوقف إنتاج الخبز.
وتسببت سيطرة قوات الدعم السريع على المصفاة الرئيسية للنفط بالجيلي في المزيد من معاناة المواطنين بالخرطوم لما خلفه ذلك من شح في غاز المنازل والمشتقات النفطية وتوقف نشاط محطات التزود بالخرطوم بالكامل، ما قفز بأسعار أسطوانة غاز الطهو من 3 آلاف جنيه إلى ما بين 10 و20 ألف جنيه، فيما قفز سعر الغازولين من 10 إلى 30 ألف جنيه للعبوة زنة 4 غالونات، والبنزين من 2400 إلى 25 ألف جنيه للغالون الواحد 4.5 لترات.

العربي الجديد