حياة
كانت الحياة تمشي رتيبة ومملة في قرية المنسيين. زهد الشباب في الزواج، وغاب حتى الموت في تلك السنة فأصبح تجمع الناس متباعدا وعجولا.
وذات أصيل كئيب انبعث من طرف القرية صوت عويل.. هناك عند الخرابات حيث تقضى الحاجات وترتكب المعاصي.
خرجت القرية عن بكرة أبيها تجري إلى الخارج إلى حيث ولد الصوت و(الموضوع).
لم يبق أحد في بيته حتى المرضى احتملهم أهلهم إلى خارج القرية.
تجمع الرجال كلهم والنساء والأطفال وسرت الهمهمات وتعالت الأصوات تتساءل عن صوت البكاء الذي كان ثم انقطع.
كان الليل قد دخل حينما دخل مجموعة من الشباب يحملون المصابيح إلى الخرابة ووجدوا برشا ملفوفا على نفسه.. كان اشبه بمنظر جنازة إلا أن البرش كان فارغا.
نظروا إلى بعضهم بتوجس ثم قرروا أن يحملوا البرش إلى الخارج ليتفاكر الناس في أمره.
ما أن خرجوا يحملون البرش حتى انطلق الصراخ من مئات الحناجر وسقطت بعض النساء مغشيا عليهن وجرى كبار السن إلى البرش الملفوف فاحتملوه إلى القرية وسط التهليل والتكبير والعويل.
كانوا يحتاجون إلى جنازة ليشبعوا فيها لطما.. كانوا في أمس الحاجة إلى موضوع.
لم تمض إلا ساعة وقد تحركت الجحافل نحو المقابر والشعل تضيء الدروب وقبر يحفر ولحد يشق..
وتعالى الغبار مع البكاء والتراب يهال على البرش وجعل للقبر شاهدان.
حينما أشرقت الشمس كان هناك صيوان منصوب وفرش مفروش وكراسي وحافظات ماء وأكواب شاي وقهوة.
وتجمع الناس من جديد وكانت سيرة المرحوم على كل لسان:
– الله يرحمو كان شايل مني ألف جنيه.
– الله يغفر ليه كان زائغ مني بخمسمائة.
وعند النساء كان الأمر مختلفا فمنهن من ادعت خطبته ومنهن من ادعت صلاحه, ومنهن من ادعت أنه كان على علاقة آثمة بنعيمة بت الفكي.
ثم أضحت علاقة المرحوم بنعيمة هي حديث الجميع… كيف للأجمل أن تنحدر إلى هذا الدرك؟
كيف لبنت الفقيه أن تصل إلى هذه المرحلة؟
وشهدت بعض صاحبات نعيمة عليها وأكدن أنهن كن يعملن لها غطاء لتقابله.
وفي بيت نعيمة كانت تجري أغرب محاكمة لما تجمع والدها وإخوانها حولها يستبينون جلية الأمر
ونعيمة تصرخ: وأين هو المرحوم يا أبي؟… إنه كذبة… إنه لا شيء.
نزلت يد اكبر اخوانها على وجهها وهو يقول: أمال الصيوان ده لعب؟
…..
لو جلست القرية إلى نفسها في حوار شفيف لعلمت أن كل المشكلة (لا مشكلة) وأنه ليس نعمة وحدها من ستدفع الثمن إن جاطت.
[/JUSTIFY]هتش – صحيفة اليوم التالي