هيثم صديق

العنقريب


[JUSTIFY]
العنقريب

يقال إنه كان عرشا لأحد ملوك النوبة القدماء قبل أن يظهر كل ألف عام مرة في مكان ما.

ويقال إنه يظهر للنساء فقط، فإن ظهر لرجل تشظى سبائك ذهب ملعون. وما ظهر لامرأة إلا وغدا لها شأن وحلت عليها البركات.

لكن كيف يتحقق المرء من أنه هو العنقريب المقصود وهو لا يختلف في الشكل عن بقية العناقريب؟

لاح لي مرة في المنام أن ذاك العنقريب الذي استغربت مكانه هو الذي حكته الأسطورة وحفه الغموض.. فطفقت أبحث في بطون الكتب عن سره الدفين وعلامة معرفته.

حكت بعض الأخبار أنه حينما يوضع في خلاء في ليلة صافية فإن نجوم (العنقريب) تخرج صهيلا كما الخيل.

استبعدت هذه الفكرة فليس لي أن أحمل ما ليس لي.. هب أنني أردت شراءه؛ فمن يضمن لي أنهم سيبيعونه؟ وما سألت أهله عنه إلا وأجابتني ابتسامات غامضات!

حكت بعض أسفار أن هذا العنقريب لا تأكله النار أبدا، فقلت في نفسي: إذا لم أكن أستطيع أن أحمله للخلاء فهل أستطيع حرقه أو أقرّب من حباله قداحة السجائر أو أشعله على حين غرة بعود ثقاب؟

زرت أهله فوجدت أن المبخر تحته يبعث عطره ونظرات لا تفسر من صاحبته تحدجني بها وقد أمالت فمها قليلا في شبح ابتسامة نافقة..

أصبح العنقريب شغلي الشاغل، كان بطل يقظتي ومنامي وكان يمسك بصحوي وأحلامي..

جاءني خاطر لا يرد بأن أفضل وسيلة لاقتنائه هي التعرض عنه بالقول أمام صاحبته عساها تهديه لي..

قلت لها إنني أتمنى أن أنام على هذا العنقريب ما تبقى لي من حياة وأن يحمل نعشي عليه…. ومضت عيناها ببريق كما في قصص الكارتون وقالت لي إنها ترضى بأن تهبه لي هدية لولا أنه لوالدتها، وإن والدتها أقسمت إنها لن تعطيه إلا لمن يعرف قدره وثمنه لا ذهبا ولا مالا فإن الذهب يفنى والمال يتبدد.. إن حباله حكايا وجدائله شعور لأميرات مسحورات وخشبه من غابة لم تر في حياتها فأسا. أخذه قبل غير واحد فما أطاقوه ولا أطاقهم ولا اكتشفوا سره فأعادوه يحسبون أنهم أعادوا جذع شجرة ولا يدرون أنهم رفضوا الخلود.

جئت أمها ذات صباح لأطلب العنقريب فوجدت صفا طويلا من مغامرين وطامعين وتجار وشذاذ آفاق وأهل دين وأهل دنيا ووقفت في الصف لا أحمل سوى المحبة.. ومرق العنقريب يلوح لي كمرق أوضة يمسك السقف أن ينهار.. تجهمت لمّا لاح لي بعد مكاني.. تبسمت لمّا وجدت الكثيرين يخرجون بالحسرة.

[/JUSTIFY]

هتش – صحيفة اليوم التالي