هيثم صديق

الفيتوري


[JUSTIFY]
الفيتوري

والاسم أضخم من أن نكبر له الخط وأجهر من أن نرفع به الصوت

فالرجل الذي ابيض شعر رأسه كله عند سواحل الدار البيضاء يعيش خريف العمر وأشعاره لا تزال ربيعا

تذكرته أمس في لحظة من وسن والمذياع يحتفي في إحدى محطاته بأمجد حمزة وامجد حمزة شاب يخرج هو وزميله هيثم عباس خمس أغنيات لكل واحد منهما في اليوم ملحنة آخرها كان (دلعك وذوقك الخلوني اتكسر فوقك بردلب اقع)

تمنى الفيتوري ذات حوار مع عمر الجزلي أن يعيش ربع قرن في القرن هذا وهذه أمنيته تكاد تتحقق لو لم يسمعوه ما سمعنا..

والرجل الموزع قلبه في الأحزان وكثرة الأوطان كان يكتب الشعر كما تكتب الغمامات أشكالا في السماء لما تبدو جبالا وجمالا وخيلا وخيالات..

لو لحظة من وسن

تغسل عني حزني

وتلك قالها في أكتوبر الأخضر قبل خمسين عاما من وقعتنا السوداء هذه (بردلب)..

من يقرأ أشعار هذا السوداني الليبي المصري الأسود سيجد كيف أن الصبح كان يخرج من بين عينيه في نبوءات لا تخيب

أصبح الصبح.. ولا السجن ولا السجان باق

وإذا الماضي الذي كحل هاتيك المآقي

والذي شد على الدرب وثاقا لوثاق

والوثاق كان أبدا أمام الفيتوري حالة مؤقتة سرعان ما ينفلت منها إلى سموات الحرية حين يشعل ناره فوق ثلج السحاب

(زمني يا اخت هوايا عجب

موسم جوع وجبال ذهب)

وتلك سخريته من الحال والأحوال والإحلال والإبدال في بلاد مثل إبل الرحيل شايلة السقا وعطشانة

لا أحد يقلب أوراق آلاف الأشعار مما كتب الرجل الأسطورة ليخرج لنا أغنية تخلد في أسفار المغاني لأن الجميع استسهل الأمور، فأصبح اللحن يخرج بأسرع من قضاء الحاجة وكانت الأغنيات فرز أول فيما مضى

لا تحفروا لي قبرا

سأرقد فوق كل شبر من الأرض

أرقد كالماء في جسد النيل

وهذا النيل يفيض ويحيض ولا أحد يرد حوضه ليخرج لنا من دراريه درة ولا من أسماكه سمكة

ولا من أمواجه نداء استغاثة لميت يحمل جثته ويهرول حيث يموت

القاضي يبرم شاربه لمغنية الحانة

والعدل مشنوق والقردة تلهو في السوق

بل إن القردة أرادوا تهريبها عبر المطار

ذاك الذي ضن يوما علي الفيتوري بجواز سفر سوداني لأن طاغية لما سمع قصائده تحسس مسدسه

أعرف سر احتكام الطغاة إلى البندقية

كل طاغية صنم

دمية من خشب

ابق بعيدا أيها الرجل الشاعر فهذا زمان أمجد حمزة

[/JUSTIFY]

هتش – صحيفة اليوم التالي