سلفا … الرقص والضرب على النقارة في آن
تحذيرات من كل جانب ، تملأ الأفق كلما اقتربنا من التاسع من يناير تنطلق من كل الإطراف بلا استثناء عدا الشريك الأكبر الذي لم يلزم الصمت ولكنه اتخذ طريقا آخر هو تجديده عند كل صباح بان الاستفتاء قائم في ميعاده وتأكيده ان الوحدة يمكن تحقيقها. تأكيدات ظل الشريك الاصغر ينظر لها بعين الريبة، لكن وسط كل تلك الصرخات التي وضعت الحرب كخيار لا مهرب منه في كل الاحوال فاجأ رئيس حكومة الجنوب رئيس الحركة الشعبية سلفاكير ميارديت ليل الجمعة الماضية من العاصمة الامريكية واشنطن الجميع وانضم الى جملة المحذرين من اندلاع عنف في نطاق واسع حال الاقدام على تأجيل الاستفتاء قبل ان يشير الى ان نتيجة الاستفتاء القادم ستؤدي على الارجح لانفصال الجنوب مؤكدا ان الوحدة ليست خيارا في اعقاب التصويت المزمع عقده مطلع العام وقال « كل الدلائل في الوقت الراهن تشير الى ان شعب جنوب السودان سيصوت بأغلبية ساحقة لصالح استقلاله في استفتاء 9 يناير «2011»
تصريحات كير وان بدأت غريبة الا أنها توضح بجلاء حالة التباعد والتباين داخل الحركة الشعبية وتعتبر استباقاً لما سيخرج به اجتماع مجلس تحريرها المزمع عقده منتصف أكتوبر القادم والذي تتضمن اجندته حسم الموقف النهائي وتحديد خياره في الاستفتاء المقبل حسبما جاء في بيان اجتماع مكتبها السياسي الاخير ، لكن يبدو ان صراع التيارات المحتدم داخل الحركة الشعبية هذه الأيام هو ما عجل بحديث زعيمها بعيدا عن ارض المعركة ببلاد العم سام ، المفاجأة التي فجرها كير أمس الاول لم تلجم البعيدين وحسب حتى المقربين هيكليا كان الامر عندهم محل تشكيك فنائب رئيس الحركة الشعبية رئيس برلمان الجنوب جيمس واني ايقا الذي تحدثت إليه عبر الهاتف أمس ابدى استغرابه عندما طلبت منه التعليق حول حديث رئيس الحركة الاخير بواشنطن وشكك في التصريحات مؤكدا لدرجة مطالبته لي بمراجعة مصادري وعندما اكدت له صحة الخبر الذي تناقلته الوكالات اكد عدم اطلاعه عليها لكنه عاد وقال «يمكننا الجلوس وتدارس التصريحات اذا صدرت من الرئيس ومعرفة مقاصدها وقبل ذلك لايمكنني التعليق» لافتا الى ان الحركة متمسكة بمبادئها التي دونت في دستورها وكتابها ، ولم يؤكد او ينفي وجود خلاف داخلي بين قياداتها واكتفى بالقول (كل انسان له الحق في التعبير عن رأيه بحرية ) وفي الجزئية المتعلقة بتحذيرات العنف حال تأجيل الاستفتاء اوضح ايقا ان التأجيل من طرف واحد يمكنه ان يقود الى خلافات باعتباره نكوصاً عن الاتفاقية وتراجعاً بايناً اما التأجيل المتفق عليه بين الطرفين بسبب الظروف لا يمكنه ان يعود بالحرب التي قال ان من يروجون الى عودتها هم من لم يعيشوها ولم يتذوقوا ويلاتها وفقدان اعزاء بها .
حديث رئيس برلمان الجنوب جيمس واني ايقا المحسوب ضمن دعاة الوحدة يفتح الباب امام اسئلة كثيرة تحتاج الى اجابات على رأسها ما الذي يرمي له سلفاكير من تلك التصريحات ذات التوقيت الغريب ، مدير مركز دراسات السلام بجامعة جوبا الدكتور ابينقو اكوك اكد ان لاخلاف حول اجراء الاستفتاء في موعده حتى الآن واضاف في حديثه لـ»الصحافة» عبر الهاتف ان الايام الماضية شهدت لقاء ببيت الضيافة بالقيادة العامة بحضور الرئيس البشير ضم عدداً من المهتمين كان احد المشاركين فيه قال ان الحديث كله انصب حول الترتيبات عند بدء الاستفتاء وعقب الفراغ منه واكد ان اللقاء شدد علي عقد الاستفتاء في موعده وان يكون حرا ونزيها وتتوفر له المراقبة الدولية ، وابدى استغرابه من التصريحات لافتا الى ان الشريكين متفقان حول تنفيذ الاستفتاء في موعده تماما واضاف ليس هناك اسباب للحرب فقط على الطرفين تكثيف الجهود للفراغ من نزع محفزات الصراع مثل الحدود وغيرها ، فيما قلل مدير مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية د.خالد حسين من تصريحات رئيس الحركة الشعبية مشيرا الى ان أي حديث حول خيارات كل الاطراف لايمكن قراءته بشكل حقيقي قبل لقاء الرابع والعشرين من الشهر الجاري المزمع عقده بحضور رئيس الولايات المتحدة الامريكية باراك اوباما ،واضاف حتى امريكا الرسمية لم تتخذ قرارا وكل ما يذاع الآن هو مايخص جماعات الضغط والمنظمات المختلفة كما الحال داخل الحركة الشعبية كقيادة وكقرار رسمي لم يتخذ بعض ومايدور الآن من تصريحات تعبر عن تيارات متباينة داخلها مرجحا ان تكون التصريحات حكمها المكان والحضور الذي كان يستمع لها. حديث حسين يقودنا الى تصريحات اطلقها كير في يوليو من العام الماضي عند زيارة جنوب كردفان وقال بوضوح«إن الحركة ستضع رهانها على جاذبية الوحدة، وأنه شخصيا سيضع صوته في صندوق الوحدة، وأنه سيعمل من أجل وحدة السودان حتى آخر لحظة، ولكن جاذبية الوحدة يجب ألا تكون عبئا على الحركة الشعبية وحدها، بل يجب أن تشارك فيها كل القوى السياسية، وعلى رأسها الشريك في السلطة، المؤتمر الوطني»، وضرب مثلا بقوله: «إننا سنصبح كمن يريد الرقص ويضرب على النقارة في نفس الوقت». وفي حديثه عن الوحدة والترابط بين القبائل في المنطقة، تصدى بشراسة لمن وصفهم بالانفصاليين الجدد والانتهازيين الذين يتبعون مصالحهم، داعيا المواطنين إلى التوحد ونبذ الخلافات،وطالبهم بتفويت الفرصة على من سماهم دعاة الانفصال الجدد. وحث على التواصل بين قبائل المنطقة، وأنهم في الحركة الشعبية أقسموا ألا يعودوا للحرب ثانية، واعتبرت أقواله بمثابة جرعة كافية من جانبه ضد الانفصال ، لكن حسين عاد واكد ان التحذيرات التي اطلقها سلفا مؤخرا وقبله انصار الخيارين الوحدة والانفصال ووضعهم صورة قاتمة لا تعرف غير الحرب ، لا يجب تمريرها بلا حساب مشيرا الى ان خيار الحرب هو موجود لاشك فيه وفي رده حول سؤال من هم وقودها اجاب ان المحاربين موجودون ووضع سيناريوهات محتمله حال وقوع الخيارين الا انه رجح نشوبها بشكل اكبر حال كان الخيار هو الوحدة عازيا الامر الى ان دعاة الانفصال لايتحملون الخيارات الديمقراطية وسوف يعتبرون انهم انهزموا في قضية ظلوا يحاربون من اجلها لسنوات طوال ، اما حال الانفصال اعادني الى تصريحات وزيرة الخارجية الامريكية الداعية الجنوب لتقديم تنازلات مقابل استقلاله مما ألب عليها موجة من الغضب وتطرق للامر ذاته رئيس الحركة في لقائه امس الاول وقال «توجد نداءات متزايدة بأن الجنوب يجب ان يقوم بتسويات وتنازلات اذا كان يتوقع ان يوافق الشمال على استقلاله» مضيفا انه منزعج من فكرة ان الجنوب سيتحتم عليه «دفع ثمن حريته» بالتنازل عن حقوقه النفطية، الا ان دكتور خالد حسين اعتبر ان الوحدوين يملكون اسلحة اخرى لاشعال الحرب حال الانفصال حصرها في قبائل التماس التي يمكن ان يستخدمها الشمال بجانب التناقضات والتنافر القبلي بالجنوب معتبرها بمثابة الاسلحة التي يمكن ان تشعل حربا اكثر دموية لكنه صمم على ان القرار النهائي هو عقب الرابع والعشرين من الشهر الجاري .
الصحافة