رياضية

تقام حتى داخل المعتقلات .. أعياد ميلاد الكبار…!

[JUSTIFY] قبل أيام قليلة ، في مطلع فبراير الجاري ، وداخل منزله الشهير بحي المنشية ، كان الشيخ حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي والزعيم التاريخي للحركة الإسلامية على موعد مع حفل عشاء خاص ، عشاء الاحتفال بعيد ميلاده الثمانين ، وعلى غير عادته في الاحتفالات الأولى التي نظمتها العائلة بمناسبة ذكرى عيد ميلاده ، فتح الشيخ خزانة ذكرياته لأبنائه أثناء حفل عيد ميلاده الأخير ، وحكى للأبناء والأحفاد طرفاً من ذلك التاريخ الشخصي الذي أثر على تاريخ وحياة ومصير شعب بأكمله ، نشأته ، ودراسته ، والمظاهرات الأولى التي شارك فيها بمنطقة رفاعة ، وغيرها مما تدفق ليلتها من خزانة الذكريات.
تقليد الاحتفال بعيد ميلاد الشيخ حسن عبد الله الترابي المولود في غرة فبراير عام 1932م ، تقليد خرج من مخيلة أبنائه كما تقول السيدة وصال المهدي زوجة د.الترابي ، اللافت ، أن هذا التقليد المستحدث نسبياً عند عائلة الشيخ ، لم ير النور في ظروف طبيعية ، بل خرج من رحم السجون والمعتقلات ، فالمرة الأولى التي قرر فيها الأبناء الاحتفال بعيد ميلاد الشيخ ، لم يكن عندها يقيم معهم في المنزل كعادته ، بل كان ضيفاً على زنزانة الاعتقال السياسي ، في عهد دولة أبنائه المجازيين من الإسلاميين الذين كانوا يسمحون لحسن الحظ بانضمام الأبناء الحقيقيين إلى والدهم داخل المعتقل ليحتفلوا معه بعيد ميلاده.
أما تقليد الاحتفال بعيد ميلاد السيد الصادق الصديق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وإمام طائفة الأنصار المولود في الخامس والعشرين من ديسمبر عام 1936م فلم يخرج من رحم السجون ولا مخيلة الأبناء ، إنما خرج من عاطفة الوالدة وتراث العائلة وإرث أحباب المهديين ، تقول السيدة وصال شقيقة الإمام : أمي كانت تقيم احتفالاً بعيد ميلاد الصادق حينما كنا صغاراً ، كانت تقيم لنا جميعاً أعياد الميلاد ، أسوة باحتفال المسلمين بعيد ميلاد النبي (صلى الله عليه و سلم )، والأنصار كانوا يحتفلون بعيد ميلاد الإمام عبد الرحمن ، وأنشد منشدهم في ذلك : أعوامك الخمسين..ما بين صلاة وصيام ..
عيد ميلاد السيد الصادق ، مناسبة تتم الدعوة لها على نطاق أوسع من غيرها من أعياد ميلاد السياسيين ، فمن المعروف أن السنوات الأخيرة شهدت تنظيم حفل عيد ميلاد الإمام على نحو دوري في ديسمبر من كل عام ، وتتم الدعوة على نطاق عائلي واجتماعي واسع ، وتمتزج أثناء المناسبة الذكريات الشخصية ، والقضايا السياسية ، والتواصل الاجتماعي ، والأضواء الإعلامية.
الاتحاديون والختمية ، لم يعرف عنهم الاحتفال بعيد ميلاد مولانا محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب وراعي الطائفة ، أو أعياد ميلاد من سبقه من زعماء الطائفة ، لكن الختمية يحتفلون بذكرى رحيل زعمائهم ، فيقيمون الحوليات في ذكرى رحيل الميرغني الكبير ، أو الحسن أبو جلابية ، أو عبد الله المحجوب.
وبينما ينحو البعض إلى إيجاد جذور لتقليد الاحتفال بعيد الميلاد في التاريخ الثقافي للمسلمين وإحيائهم لذكرى مولد النبي (صلى الله عليه و سلم )، يرى آخرون في الاحتفال بذكرى ميلاد الشخص ، أو ذكرى زواجه تقليعات وافدة وغريبة عن ثقافة السودانيين ، ويدللون على ذلك بأن الطرق الصوفية في السودان لم تعهد الاحتفال بأعياد ميلاد رموزها وشيوخها ، فضلاً عن كون أعياد الميلاد التي تنظمها على نحو متصاعد بعض الفئات الاجتماعية ، تقام احتفالاً بذكرى ميلاد الأطفال لا الكبار.
عدم انتشار تقليد الاحتفال بأعياد ميلاد الكبار من السودانيين ، ومنهم بالطبع السياسيون ، يعيده البعض إلى ما هو أكثر من البيئة الثقافية في واقع الأمر ، فبينما تعرف الأجيال الشابة عادة تواريخ ميلادها باليوم والشهر والسنة ، فإن معظم أبناء الأجيال السابقة لا يعرفون تواريخ ميلادهم بدقة.
القيادي الاتحادي علي السيد لا يعرف التاريخ الدقيق لمولده ، لكنه يرجح أن يكون قد خرج إلى الحياة في توقيت ما بين العامين 1946 و 1948م ، استناداً الى ما سمعه من جدته ، التي حدثته أن مولده كان بعد (كتلة الحاج عبد الله) ، وهي مواجهات بين جماعة قدمت من الشرق وبعض السكان، حدثت في سوق بمنطقة الحاج عبد الله قرب سنار نحو العام 1946م ، أما تاريخ ميلاد علي السيد في الأوراق الرسمية فهو غرة يناير 1951م ، ويفسر ذلك بالقول : الصادق المهدي وغيره من أبناء الحضر يعرفون التاريخ الدقيق لميلادهم لأنهم ولدوا في المستشفيات أو بواسطة القابلات ، أما نحن أبناء الأقاليم فكنا نولد (بالبركة) ، وإذا دخل أحدنا المدرسة وطلبوا منه شهادة ميلاده يمضى إلى الطبيب فيستخرج له شهادة تسنين ، ويكتب فيها تاريخ 1 يناير من السنة التي يقدرها.
الاحتفال بعيد الميلاد ظاهرة نادرة بين السياسيين وغيرهم لأن المجتمع السوداني مجتمع أقرب في طبيعته إلى البداوة كما يقول السياسي عبد الرسول النور ، والاهتمام بمثل هذه المناسبات كذكرى المولد أو الزواج ليس شائعاً ، لكن الكثير من الأسر العريقة لها اهتمام بتسجيل هذه المناسبات والاحتفال بها اقتداء بالسلف الصالح الذين اهتموا بسيرة النبي ومولده.
ويتابع عبد النور : الاحتفال بالمولد بدعة حسنة ، ولقد لازمت الأخ الصادق المهدي منذ كنت طالباً في الثانوي ، وهو يحتفل بعيد ميلاده ويعتبره وقفة مع النفس وجرداً للحساب ، كي يقف على النجاحات والصعوبات التي واجهها خلال العام ، والاحتفال بهذه الصورة معرفة للحصاد وتخطيط للمستقبل ، والملاحظ أن المحدثين كانوا يحرصون على ذكر تواريخ ميلاد ووفاة الرجال فيقولون فلان المولود عام كذا والمتوفى عام كذا ، ورغم أن الشائع عند الصوفية الاحتفال بمولد شيوخها ، شاع عند الصوفية في السودان الاحتفال بذكرى الرحيل (الحولية) ، مع أن الاحتفال بالمولد احتفال ببداية الحياة والاحتفال بالرحيل احتفال بنهاية الحياة المادية ، وأظن كذلك أن الترابي احتفل بعيد ميلاده الثمانين وهو يريد أن يقف على ما قدمه وما أخره خلال مسيرته ، وماذا فعل في الماضي وماذا سيفعل في المستقبل.
احتفالات كبار السياسيين بأعياد ميلادهم ، في هذه المرحلة من تاريخ السودان بالذات ، لا تعدم من ينظر إليها من زاوية سلبية ، ويعتبرها مجرد تقليد ينم عن رفاهية وترف الساسة المادي والمعنوي في بلد تتقطع أوصاله بالحروب ويعاني أهله من الغلاء وشظف العيش ، في المقابل ، يؤكد آخرون أن الاحتفال بميلاد الحياة تقليد إنساني عريق وذو معاني فردية واجتماعية عميقة تتعلق باحترام الحياة والـتأمل فيما مضى منها وما سيأتي ، تأمل ووقفة مع النفس يحتاج إليها الجميع ، لا سيما السياسيون ..!
[/JUSTIFY]

الراي العام

تعليق واحد

  1. [SIZE=5][COLOR=#FF004D]والله الزول دا بعد ما تعرض للضرب في راسه على يد بطل الكراتيه هاشم بدر الدين في مطار اوتاوا بكندا يوم 25 مايو 1992 وهو من اليوم داك طاشي شبكة[/COLOR][/SIZE]