عالمية

روسيا تزيد من سرعتها

تتسارع التطورات في المنطقة والعالم. القرم دولة مستقلة بشهادة فلاديمير بوتين، فما حصل فيها يكرّس روسيا نداً للولايات المتحدة في أوراسيا. العبرة ليست في تنظيم الاستفتاء ولا في الغالبية التي صوتت بنعم على الانفصال عن أوكرانيا، بل في اتصال باراك أوباما بعدها بفلاديمير بوتين ليقول له إن الحل السياسي لا يزال ممكناً. لكن الاقرار الامريكي بالوضع الجديد، وإن جاء إعلاناً بفتح صفحة جديدة في العلاقات الدولية، فهو في الوقت نفسه رسالة إلى موسكو تفيد باستعداد واشنطن لمفاوضتها في وضع أفضل لهذه الاخيرة. في ما حصل أيضاً الكثير من العبر، أولها سقوط نظرية المقايضة التي راهنت على أن روسيا، بعدما حُشرت في الزاوية الاوكرانية حيث الامن القومي الروسي على المحك، ستقايض الامريكيين في ساحات أخرى.

في خضم كل هذه المعمعة، تبرز مصر، ودورها الجديد في المنطقة. السلم الذي أمنته لبنيامين نتنياهو للنزول عن الشجرة التي صعدت إليها قيادته مع كسر الصمت عبر الوساطة المصرية الملتبسة، خير مؤشر. كذلك الامر بالنسبة للحديث المصري عن قواعد مصرية في دول الخليج لحمايتها.

وعلى الرغم من حالة اللايقين الداخلية المصرية، إلا أنه يبدو واضحاً أن الزمن لا يزال يجري لصالح عبد الفتاح السيسي ومجموعته. فالحالة المصرية لا شك ستتصدر جدول أعمال باراك أوباما في السعودية، التي يبدو أنها سلّمت بأفول نفوذها في المنطقة وتسعى إلى ضمانات أمريكية لحفظ الكيان السعودي، وهو ملف مرتبط بملفات إقليمية ثلاثة تراها المملكة جزءاً لا يتجرأ من أمنها القومي: اليمن وإيران وقد انضمت إليهما مصر أخيراً.

بل إن الصراع الخليجي الخليجي المتفاقم يبدو انه يجري لصالح القاهرة من دون أن يظهر أن هناك احتمالا كبيرا باستفادة إيران منه. فالصدام السعودي القطري إلى تصاعد، ما يزيد من قيمة الحكام الجدد للقاهرة في عيون الرياض وأبو ظبي، مع ما يعنيه ذلك من دعم مفتوح ودفق مالي. في المقابل، فإن هذا الشقاق لا يبدو انه سيؤدي إلى تقارب قطري إيراني يتجاوز الشكليات، في ظل الاصطفاف الاقليمي الحالي.

زيارة الرئيس حسن روحاني إلى مسقط، في هذا الاطار، لا شك مفيدة لناحية العلاقات الثنائية، وبادرة تساعد الوسطاء ممن يريد تقريب ذات البين بين طهران والرياض. لكنها لن تؤدي، على ما يبدو، الى اختراق في المدى المنظور، الا في حال وجد ا وباما مصلحة في تقديم قطعة حلوى للرئيس الايراني تساعده في معركته الداخلية في الجمهورية الاسلامية، وكان في الوقت نفسه مستعداً لتقديم ثمنها الى السعوديين، ضمن رزمة التفاهمات التي يريد بحثها مع حكام الرياض.

من جهة اخرى فانه يمكن القول بان روسيا فلاديمير بوتين هي من يعيد كتابة تاريخ اوروبا من جديد هذه المرة وهي من يعيد رسم الجغرافيا السياسية للقارة العجوز وهو ما يحصل للمرة الاولى منذ الحرب العالمية الثانية بعد ان كان الغرب هو من فعلها اول مرة على ارض يوغسلافيا السابقة ..

واليوم تعاد كتابة التاريخ ويعاد رسم جغرافية المنطقة السياسية بهذا المدى الواسع على يد اناس كانوا حتى الامس القريب لا يقبلون بهم حتى شركاء ثانويين في حكومة واحدة فضلا عن المشاركة في صناعة القرار.

فبغداد خرجت من ايديهم ودمشق لم تقع فريسة فتنتهم وصنعاء تستعيد هويتها وبيروت تسترجع عروبتها واهل المقام يستعدون للمنازلة الكبرى انطلاقا من الجليل الاعلى ، وهذا ما يرعبهم اكثر .

من جهة اخرى انها ايران المقاومة التي ترسل اكثر من رسالة من خلال دعمها المستمر لمحور المقاومة الاوسع ومنها رسالة ارسال الصواريخ مجددا من غزة هاشم وفتح معركة كسر الصمت على يد رجال حركة الجهاد الاسلامي .

على صعيد آخر رسائل صاروخية خمس ذات دلالة فائقة الاهمية يرسلها حزب ولاية الفقيه اللبناني عبر شبعا والجولان خلال اقل من اسبوعين بينما العدو فاقد لزمام المبادرة يترقب والحرب سجال .

يسأل مسؤول سوري كبير في هذه الاثناء: هل اثبتنا للعالم بما يكفي بان المشهد الدمشقي الشهير قادر على الصمود بوجه الفتنة بل وقادر على قلب الطاولة على المعتدي الغدار ؟ .

يجيب المسؤول السوري : نعم بل واكثر من ذلك قادرون على فتح جبهة الجولان وجنوب لبنان وبدء معركة تحرير الجليل الاعلى ان اردنا او اضطررنا ، بعد ان صارت الخبرة الميدانية في اقتحام مقرات العدو وتحرير مدننا جزءا من تاريخنا العسكري المشرف ..

هو العالم المتغير فعلا نحن من يكتب التاريخ من جديد .. ونحن من يعيد رسم جغرافية العالم السياسي بحروف من ذهب ودم!

بانوراما الشرق الاوسط
ع.ش