سياسية

“ساعات اللقاء” المؤتمران الوطني والشعبي يبدآن وحدة صامتة ويودعان حالة الخصومة.. هل يعلنها الإسلاميون؟ والسؤال الأهم: فيم الاختلاف بالأصل؟

[JUSTIFY]تبدو حالة الاندغام عالية من خلال الموائد الرمضانية وحتى الفعاليات الرسمية.. المؤتمران الوطني والشعبي يبدآن وحدة صامتة وانسيابية ويودعان حالة الخصومة.. بالأحرى الإسلاميون سيعلنون وحدة قريبة لكن يبقى السؤال عن الاختلاف بالأصل..
من يحاول أن يستنطق مستقبل وحدة الحركة الإسلامية بين شقيها الوطني والشعبي بوقائع الأحداث الماثلة أمامه في الماضي القريب لا يجول في خاطره هذا الاندغام المتناهي الذي كشفت عنه الأيام القليلة الماضية، على الأقل من واقع الخصومة والتصفية السياسية التي تعرض لها الجناح المعارض في الإسلاميين، كان من المؤمل أن تتم هذه الوحدة بأثر جراحات عميقة لواقع الاختلاف الذي احتدم بمفاصلة شهيرة في رمضان من العام (99) ليخلف كيانا مهيض الجناح لكن الانقلاب السياسي لحزب المؤتمر الشعبي في اتجاه الوطني وقبوله بكل الأطروحات المبذولة من الحزب الحاكم كان مقدمة لتلاق أكبر من خلال الموائد الرمضانية بل وحتي الفعاليات الرسمية تلك التي يكون الحزب الحاكم طرفا أصيلا فيها.
حسنا، عصفور الجنة الحبيس لسنوات في سجون إخوانه بلا ذنب سوى أنه يعارضهم، فكرة كانوا يدافعون عنها في الخنادق، يجلس باسترخاء كبير في قاعة الشهيد الزبير محمد صالح في أحد المحافل الرسمية التي تدفع فيها الحكومة إحدى منظوماتها للقيام بدور تأييد المقاومة الفلسطينية، بلا نظرة لماضي معتقله يهتف مرددا: “هبي هبي رياح الجنة” وكأنه يستدعي أياما خوالي من عمر المنافحة عن المشروع الإسلامي، وبذات البساطة يخرج ليركب المواصلات العامة من شارع القيادة، ذات التماهي لا يقف عند العصفور السجين بل التناسي الكبير لآلام الحبس، من فوق المنصة يتحدث نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي بشير آدم رحمة بلسان إنقاذي مبين، ويستذكر ماضي طالما تنصل عنه المؤتمر الشعبي واستغفر من سوءاته وهو يبرر تأييد الحكومة لعدم دخول القوات الأمريكية إلى العراق في سياق القراءات المبكرة للإخوان بأنه استعمار محض، لم ينته تقارب الإسلاميين. قبل أيام معدودات كان شيخهم الجليل الدكتور الترابي في بيت الضيافة يمكث الساعات الطويلة مع الرئيس عمر البشير وثلة من قيادات الأحزاب في اجتماع لجنة الحوار الوطني، الشيخ الترابي الذي يطفئ شمعة عيد ميلاده الثمانين لا يألو جهدا في أن يقيم الليل في بيت الضيافة ربما لتنقيح المواقف أولا بين الإسلاميين وتسليك مجاريها التي غذتها العداوة والكراهية السابقة، ليس ذلك فحسب تتواتر الأنباء عن زيارات ليلية لمنزل الشيخ مثلما كان يحدث في أزمان الإنقاذ الأولى، لكن المشهد ينفتح أكثر في وجه التلاقي الإسلامي في مائدة إفطار الزعيم الإسلامي الراحل الشيخ يس عمر الإمام، من شكل المائدة وعدتها وعتادها كانت النكهة الحكومية تنتهي باستضافة كبيرة لمائدة هي من وظيفة الشق الإسلامي الذي لا يدخر في جرابه إلا معارضة شرسة وأسنانا كادت تفتك بالحكومة وحزبها الحاكم..
لكن الجناح الذي تستعصي عليه مرارة الأيام السابقة والعسف والتشريد في حزب المؤتمر الشعبي يختزن في ذاكرته مشاهد مريرة، وممارسات قاسية طالما ظل الإخوان الحاكمين يكبدونها لهم، لذا فإن نظرتهم للوحدة ما تزال بعيدة المنال وإن وطئ الشيخ الترابي في ترابها وأرضها الزلقة، وربما امتدت الجراح لحركة الإصلاح الآن التي وإن لم تتذوق إلا طعم الإقصاء السياسي فقط لكن خروجها في النهاية يعبر عن امتداد لمزيد من النزف الإخواني وهي بالتأكيد لديها إيضاحات الوحدة من جديد وربما يكون سقفها الأعلى.
الجانب الأهم في وحدة الاتجاه الإسلامي عليه الاجابة عن أسئلة الشارع العام، فهو يدري تماما أن المؤتمر الشعبي قد أعلن أن مفاصلته لإخوانه الحاكمين جاءت بسبب الخلاف على الحريات وانتخاب الولاة ومبادئ الشورى والديمقراطية، لذا فإن الوحدة على أي أسس أخرى ربما تثبت ما ظل عالق في الاذهان أن الإسلاميين ظلوا يمطرون الواقع السياسي بالبلاد بخدعة تلو الأخرى وتكتيك وراء الآخر لمكاسب استمرار مشروعهم الإسلامي، وتقديم إكليشهات الاختلاف والتقارب دائما في قناني جديدة، وأثر كل ذلك على مجمل الأوضاع في وطن يتمزق في سنوات حكمهم طويلا، فالمراقبون ينظرون الآن لاختزال الإخوان التسوية الوطنية في إطار وحدة منظوماتهم أكثر منها دعوة حقيقية للتلاقي الوطني العام، بل ويذهب ظن الكثير من الأحزاب المعارضة إلى أن الحوار الوطني القائم الآن تجاوز الحل الوطني عندما تحققت وحدة الإسلاميين.
في العموم يرى المراقبون أن سرعة التلاقي الإخواني بلا شروط واضحة جاءت بأسباب التداعي الإقليمي لتجربة الإسلام السياسي وحصار الأنظمة التي تنطلق من منصات الإسلام السياسي خاصة في ظل شرق أوسط جديد، وهذا في رأيهم يعني قبول المشروع الأممي على حساب الحل الوطني الذي لم يجد من تنظيم الإخوان العالمي إلا ما يحفظ تماسك النظام خاصة من دولة قطر، أخيرا وإن تقدم الإخوان الشعبيون نحو الوطنيين إلا أن جدل التسكين في السلطة ربما يولد الخلافات مجددا وستكشر مجموعات المصالح عن أنيابها ولن تسمح بوحدة تخرجها من مولد السلطة بأي حال وهي أجهزة طرد مركزية كفيلة بإعادة ميزان وكفة الوحدة لمزيد من الشقاق.

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]

تعليق واحد