السودان يترقب الاستثمارات الخليجية لإنعاش اقتصاده المثقل بالأزمات
فيما تعول الحكومة السودانية على استثمارات الخليج لإنعاش عجلة الاقتصاد المثقلة بتبعات أزمة نقص الاحتياطي الأجنبي والعقوبات الدولية التي لم يظهر أثر تخفيفها بعد وخسارة ثُلثي ثروات النفط مع انفصال الجنوب، تترقب رؤوس الأموال في دول مجلس التعاون، حوافز وتسهيلات من الخرطوم كي تتدفق بالنسق المنتظر، بعدما تحسنت العلاقات بين الجانبين مؤخرا، على خلفية التفاهمات السياسية بشأن ملفات المنطقة.
وتقول الحكومة السودانية إنها تسابق الزمن لتقديم كثير من التسهيلات التي تحفّز الاستثمار الخليجي لدخول أراضيها، بعدما نجحت رغم أكثر من عقدين من العقوبات الدولية في جذب عشرات مليارات الدولارات من الاستثمارات الخليجية، ساهمت في إثراء معدل النمو وتشغيل عشرات آلاف الشباب.
وزار الرئيس السوداني عمر البشير عدة دول خليجية خلال الأشهر الأخيرة، في إطار تعزيز الشراكات الاقتصادية. وأعلنت الحكومة مؤخراً، خطة للسنوات الخمس المقبلة، تستهدف خلالها مضاعفة حجم الاستثمارات الأجنبية في البلاد، عبر اتخاذ إجراءات تُطمئن المستثمرين وتضمن لهم مناخاً رأسماليا مناسبا لتوطين مشروعاتهم.
ويرى مراقبون، أن علاقة دول الخليج مع السودان تعرضت لهزات متتالية، لكنها عادت إلى وضعها الطبيعي بفضل مساهمة السودان في التحالف العربي في حرب اليمن، ما دعا دول الخليج إلى إعادة النظر في علاقتها مع الخرطوم نحو الأفضل.
ويطالب خبراء الاقتصاد، السودان، بمعالجة المشكلات الداخلية التي تبدأ من انعدام الخطط والبرامج الجاهزة لاستيعاب الاستثمارات الخليجية التي تترقب الدخول لأسواق السودان، وتبني أزمة تخصيص الأراضي اللازمة لإنشاء مشروعات كهذه.
وأشار الخبير الاقتصادي محمد الناير إلى أن توجه رؤوس الأموال الخليجية إلى دخول قطاعات غير تقليدية في السودان، مثل الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والصناعة، بينما كان تركيز هذه الأموال ينصب في السابق على القطاع الزراعي فقط.
وقال لـ “العربي الجديد” إن دخول دول الخليج في قطاعات واعدة وجديدة، قد يشجع بعض المستثمرين على غزو قطاعات مهجورة رغم ربحيتها المتوقعة، على رأسها قطاع السياحة الذي يزخر بفرص كبيرة في ولايات البحر الأحمر والجزيرة والشمالية ونهر النيل، فضلا عن محمية الدندر والمواقع السياحية في جبل مرة بولاية غرب دارفور.
ومن شأن الاستثمارات الخليجية، دعم الاقتصاد السوداني الآخذ في التحسن بعد سنوات من التراجع واجه خلالها عقوبات أميركية وصدمة انفصال جنوب السودان وتراجع أسعار النفط عالميا، وفق الناير.
ويرى الخبير الاقتصادي، هيثم فتحي، في تصريح لـ “العربي الجديد”، أن الشراكة الاستراتيجية المحتمل توسعها بين دول الخليج العربي والخرطوم، تمثل نوعية في أوضاع السودان الذي يستطيع بموارده وإمكاناته الزراعية والحيوانية سد احتياجات المنطقة من الغذاء، بفضل توفره على مقومات هي الأكبر في المنطقة، حيث يمتلك قرابة 80 مليون فدان صالحة للزراعة وغير مستغلة، و102 مليون رأس من الماشية، ومعدل أمطار سنويا يزيد عن 400 مليار متر مكعب، ولديه أيضا أيد عاملة رخيصة وخبرة طويلة في الزراعة.
بالمقابل، يرى فتحي أن دول الخليج التي تتوفر على أموال وصناديق سيادية ضخمة، تحتاج إلى توفير أمنها الغذائي بعيدا عن الاستيراد الذي يلتهم احتياطاتها من النقد الأجنبي، وهو ما لا يتم إلا بالاعتماد على السودان التي تتوفر على عوامل نجاح خطط الخليج في تأمين غذائه.
وقال فتحي إن تحسن العلاقات بين السودان والخليج بدأ يؤتي ثماره جيدا، فقد قفز معدل نمو الاستثمارات السعودية في قطاع الزراعة السوداني إلى 50% عام 2015، مقابل 7% فقط في عام 2013، مع توقعات بزيادة حجم هذه الاستثمارات لأكثر من الضعف خلال سنوات قليلة، بفضل التعهدات الأخيرة بين الرياض والخرطوم بشأن ضخ أموال جديدة في شريان الاقتصاد السوداني.
وتقترب قيمة المشروعات السعودية بالسودان من 25 مليار دولار، حيث تستثمر المملكة في أكثر من 500 مشروع زراعي وصناعي وخدمي في أربع ولايات سودانية وفق البيانات الرسمية، ليبلغ عددها في القطاع الصناعي نحو 145 مشروعاً بقيمة ملياري دولار، وفى القطاع الخدمي 263 مشروعاً باستثمارات 12 مليار دولار وفي الزراعة 95 مشروعاً بقيمة 11 مليار دولار.
وتتعاظم آمال الحكومة السودانية في أن ترتفع قيمة الاستثمارات السعودية إلى 30 مليار دولار خلال العام الجاري 2017، إلا أن السفير السعودي بالسودان، علي بن حسن بن جعفر، أشار في تصريحات سابقة، إلى وجود معوقات أمام الاستثمار، ما يستدعي العمل على إزالتها لاستغلال الفرص الواعدة.
العربي الجديد
(إلا أن السفير السعودي بالسودان، علي بن حسن بن جعفر، أشار في تصريحات سابقة، إلى وجود معوقات أمام الاستثمار). المعوقات معروفة للقاصي والداني وقد ذكرها لنا كثيرون حاولوا أو استثمروا في السودان، وهي تتمثل في عرقلة المسؤولين للتصاديق والتراخيص الخاصة بالإستثمار إلا في حالة حصولهم على رشاوي أي كان نوعها، وهذه الممارسة تمارس بقوة عين ومن غير إستحياء ولا خوف من المساءلة أو المحاسبة.
وإذا كان مسؤولي الدولة جادين في إنعاش الإقتصاد كما يقولون فعليهم أولاً جلب ما نهبوه من أموال الشعب واستثمروه في دول أخرى جلبه ليستثمروه على الأقل داخل السودان، كما عليهم السماح لرأس المال الوطني بالإستثمار بدون عوائق، والكف عن تشريد رأس المال السوداني لأسباب غير معلومة، ثم بعد ذلك تقوم الدول بالعمل على جذب مستثمرين أجانب.