السودان وثنائية الديني والعلماني.. ما الخلاص؟
مرة أخرى وفي زمن بالغ الدقة وقبيل التوقيع على اتفاق نهائي بشأن ترتيبات الفترة الانتقالية، يقف السودانيون على مفترق طرق واصطفاف وصف بأنه أيديولوجي، في معادلة صفرية يرى فيها كل طرف أن مكاسب الطرف الآخر هي خسارة له، وتغيب عنها المنطقة الوسطى لأي حلول بين الطرفين.
فقبل ساعات من انتهاء مهلة للمجلس العسكري في السودان بتعليق المفاوضات مع قوى إعلان الحرية والتغيير التي تقود الحراك الشعبي توطئة لاستئناف مفاوضات الاتفاق النهائي اليوم، شهدت الخرطوم أمس مسيرة لتيار نصرة الشريعة ودولة القانون المكون حديثا، أعلن فيها رفضه للاتفاق الذي وصفه بالإقصائي ويتجاهل تطبيق الشريعة الإسلامية، في خطوة أثارت جدلا كبيرا في الشارع السوداني.
فأمام القصر الجمهوري بالخرطوم ردد أنصار التيار “الحل في الدين” و”لا شيوعية ولا إلحاد.. الإسلام بالمرصاد” و”ثوار أحرار لن تحكمنا قوى اليسار”. وعلى بعد أمتار من اعتصام أمام مركز القيادة بالجيش، يتواصل منذ 6 أبريل/نيسان الماضي اعتصام تقوده قوى الحرية والتغيير التي تقف على بعد خطوات من استكمال اتفاق مع العسكر يتيح لها ترشيح 67% من عضوية المجلس التشريعي، وعضوية مشتركة في مجلس السيادة، إضافة لترشيح وزراء الحكومة الانتقالية.
رفض قاطع
الشيخ عبد الحي يوسف أحد قادة الحراك رفض رفضا قاطعا الاتفاقية قائلا “لا وألف لا لهذه الاتفاقية التي لا تُمثّل ضمير هذا الشعب المسلم”، في حين طالب الأمين العام لتيار نصرة الشريعة محمد علي الجزولي المجلس العسكري بأن يقف على مسافة واحدة من جميع فصائل المجتمع، و”إذا قرر المجلس تسليم السلطة لفصيل دون آخر سنعتبره انقلابا وسنسقطها”.
وفي المقابل لا ترى قوى الحرية والتغيير مبررا لإشراك تيارات لم تكن جزءا من التغيير والثورة، بل تعتبر أن بعضها كان يمثل جزءا من النظام السابق ويسعى للسلطة تحت شعارات باسم الدين، ودعت الرافضين للاتفاق لتقديم رؤيتهم للشعب السوداني دون ما وصفتها بالمزايدات السياسية.
وقد تباينت آراء السودانيين بشأن مسيرة تيار نصرة الشريعة بين من رآها دعوة للفتنة، وآخرين دافعوا عنها، في مقابل طرف ثالث أنحى باللائمة على قوى التغيير لعدم “إيلائهم الإسلام الاهتمام اللازم” وغياب الشريعة كمصدر للتشريع في وثيقتهم الدستورية التي قدموها للمجلس العسكري حتى يوصدوا الباب أمام أي طرف لتخريب المشهد.
إحداث فوضى
فمن وجهة نظر “وائل” فإن عبد الحي يوسف ومحمد علي الجزولي “يخططان لأحداث فوضى عارمة وسفك للدماء حتى يتمكنان من إحداث انقلاب”. ويعتبرهما محمد صادق “أخطر اثنين على الثورة” ويصفهما بأنهما “دواعش ومكانهما سجن غوانتانامو”. ويعتبر مرتضى محجوب أن “عبد الحي لا يخاف على الشريعة لكن يخاف من الدولة المدنية التي يمكن أن تجرمه وتجرده من امتيازات وجدها من نظام الحزب السابق”.
وترى سلمي حسن أن الشعب بعد ما توحد كله جاء تيار نصرة الشريعة ودولة القانون ليفرق الناس باسم الدين، وتساءلت: هل المعتصمون أمام القيادة غير مسلمين؟
وفي المقابل تستنكر علوية الزين الهجوم على التيار قائلة “سبحان الله لما يطلعوا لإعلاء لا اله إلا الله، الناس تقول هذه فتنة، عن أي فتنة تتحدثون؟”.
واجهة للمؤتمر الوطني
غير أن شمسان يعتبر أن تيار نصرة الشريعة واجهة يختبئ خلفها “الكيزان” (المنتمون للحركة الإسلامية)، ويقول عبد المنعم عبد الملك إن “فلول المؤتمر الوطني الفاسد المقبور وجدوا حاضنة لهم، أين ذكاؤكم يا قوى التغيير والحرية؟!”.
وكتب أستاذ الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان بجامعة حمد بن خليفة في قطر محمد المختار الشنقيطي “قوام شريعة الله هي العدل، ورفع الظلم، والأخذ على يد الظالم، وأعظم مظاهرة لنصرة الشريعة في السودان اليوم موجودة وقائمة، واعتصام القيادة العامة الداعي إلى القيام بالقسط وبناء سلطة الشورى الدستورية، وما سوى ذلك في هذه اللحظة مزايدة وتشويش على المسيرة وإضعاف للصف في وجه الاستبداد”.
لكن عبد المنعم عبد الملك يحمل قوى التغيير المسؤولية قائلا “علمنا أن تجمع الحرية والتغيير ليس يساريا وليست له أجندة عمالة لدول خارجية وأنه يضم قوى الوسط وقوى المهنيين، إذن لماذا ﻻ يعلن هؤﻻء الوسطيون أنهم حريصون على دين الإسلام وعلى عقيدة اﻷمة حتى نغلق الملف الذي تتغذى منه قوى التطرف ونسحب الكرت الذي يمكن أن تستخدمه لتخريب المشهد ونسد المنفذ الذي تستخدمه قوى النظام البائد ﻻكتساب شرعية المعارضة”.
أما منعم سليمان فيعتبر أن المجلس العسكري وحوله “كيزان برتبة فريق” يزينون له التراجع عن الاتقاق مع قوى الحرية والتغيير، وقد تفتقت عبقرية هؤلاء الكيزان عن توظيف “وكيل تنظيم القاعدة الإرهابي عبد الحى يوسف ومعه الداعشي محمد على الجزولي”.
عبر التاريخ
هي الثنائيات إذن التي حذر منها البروفيسور تجاني عبد القادر رئيس قسم العلوم الاجتماعية بمركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، والتي تتقلص فيها المنطقة الوسطى لصالح ثنائية “شيعي سني” (في البلدان ذات الشحن الطائفي التقليدي)، أو لصالح ثنائية “عربي غير عربي” (في البلدان ذات التعصب القبلي)، أو لصالح ثنائية “علماني إسلامي” (في البلدان ذات الشحن الأيديولوجي الحديث).
وفي السودان فعلت هذه الثنائية الأخيرة العجب خلال الخمسين عاما الماضية، ففي العام 1965 تجمعت القوى الوطنية والإسلامية لتعمل على حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد أعضائه من البرلمان.
جاء الرد سريعا من الجهة الأخرى لتجمع القوى اليسارية وتقفز إلى السلطة عن طريق انقلاب مايو/أيار 1969 بقيادة جعفر نميري لتخرج الإسلاميين من الحياة السياسية.
يتجمع الإسلاميون (تحت مظلة الجبهة الوطنية، وتحت شعار مقاومة الزحف الشيوعي) ويحملون السلاح، فتقع مجزرة الجزيرة أبا وودنوباوي (1970) وانقلاب حسن حسين، وانقلاب محمد نور سعد (انقلابان فاشلان ضد نميري).
وينقلب نظام مايو على قوى اليسار وينكل بهم شر تنكيل، فيدخل الإسلاميون في تحالف مع النظام، ويدعمون توجهاته الإسلامية.
ترد الجهة الأخرى سريعا حيث قفز العلمانيون وقوى اليسار لقيادة ثورة أبريل/نيسان 1985، ليسقط نظام النميري وليعود اليسار إلى الساحة السياسية مطالبا بإلغاء قوانين سبتمبر ومن ضمنها التشريعات الإسلامية.
تتجمع القوى الإسلامية مرة أخرى تحت مسمى الجبهة الإسلامية القومية لمقاومة المد اليساري العلماني، وتجرى الانتخابات العامة فيتقدم الإسلاميون ويخرج اليسار خالي الوفاض، فيترتب على ذلك أن تتجه قوى اليسار العلماني تلقائيا إلى الجنوب لمناصرة حركة التمرد المسلح بقيادة جون قرنق.
يرد الإسلاميون بانقلاب عمر البشير عام 1989 لمقاومة الحركة اليسارية العلمانية المسلحة، لتترتب على ذلك معارك وحروب وفصل الجنوب وتدمير للمنشآت ووقف للتنمية وحصار.
واليوم بعد أن اقترب الحراك السوداني من الخروج من مخاض التفاوض على مدنية مؤسسات الحكم والتسيير، خرجت ثنائية علماني إسلامي من ال
الجزيرة نت
ليس المهم من يحكم علماني شيطاني شيوعي اسلامي جن أحمر او حتى كيزان آخرين
المهم هو محاسبة جميع المتورطين في النظام وطني و شعبي او متواطئ خصوصا موادر جهاز الامن السابق و تعذيبهم و اعدامهم بشكل علني و بصورة مذلة بحيث يرتدع كل من تسول له نفسه الاجرام او السرقة او الرشوة و يكون عارف ان طريق الفساد هو طريق الذلة و السجن و العذاب و الاعدام و القبر